شهد سوق العقارات في محافظة اللاذقية ارتفاعاً كبيراً وغير مسبوق في الأسعار سواء في الشراء أو الإيجار حيث أصبح من غير الممكن لشاب في مقتبل العمر الحصول على منزل ولو في أبسط المناطق في ظل هذا الارتفاع. «تشرين» جالت في بعض أحياء اللاذقية واستطلعت آراء المواطنين حول موضوع الإيجارات وارتفاع أسعار العقارات!
المواطن محمد سعيد اضطرته الأوضاع الحالية للمجيء إلى اللاذقية، تاركاً منزله في حلب هو وأسرته، قال: كنت أبحث عن منزل ولأسرتي المؤلفة من خمسة أشخاص بسعر مقبول وقريب من مكان عملي في السوق لكن الأسعار مرتفعة جداً بالنسبة لمدخولي الذي لا يتجاوز الخمسين ألفاً وفي النهاية وجدنا منزلاً في منطقة شعبية (الرمل) وهو عبارة عن غرفة وصالون بـ 25 ألف ليرة.
وبدوره علي أحمد قال: أرغب ببيع منزلي في منطقة الشيخ ضاهر وهو في وسط المدينة وتم عرضه بسعر 10 ملايين ليرة وخلال هذه الفترة بدأت أبحث عن منزل في منطقة قريبة بالمبلغ نفسه والمفاجأة أنه علي زيادة حوالي 4 إلى 6 ملايين ليرة للحصول على شقة قريبة وصغيرة فعزفت عن الفكرة.
جمود العقارات
عصام أنيزة أحد أصحاب المكاتب العقارية في منطقة 8 آذار قال: إن الإيجارات في محافظة اللاذقية نشطت مع قدوم المهجرين من المحافظات المجاورة بسبب الوضع الحالي إلا أن حركة العقارات البيع والشراء جامدة فعشرة ملايين ليرة لا تشتري منزلاً من غرفتين وصالون في المناطق المتوسطة، وبالنسبة لأسعار المنازل حالياً يتراوح المتر بين 100ألف إلى 125 ألفاً في المناطق الشعبية بعد أن كان المتر لا يتجاوز الـ 60 ألفاً.
وأضاف: الإيجارات تتراوح بين 35 ألفاً إلى 100ألف لمنزل غير مفروش من غرفتين وصالون في المناطق المتوسطة بينما المفروش يبدأ من 100 ألف وحسب طلب المؤجر، أما في مناطق أخرى فتتراوح الإيجارات بين 150 إلى 200 ألف في الشهر لمنزل غير مفروش.
بدوره عبد السلام شيش صاحب مكتب عقاري في منطقة العنابة، قال: إن أسعار العقارات حالياً مرتفعة جداً فالبيع عرض وطلب، وحركة العقارات حالياً ضعيفة ضمن المدينة أما في مناطق الزراعة والمشاريع فالحركة أنشط ولا توجد أي ضوابط عليها، والمؤجر يحدد إيجار المنزل لمدة 3 شهور وكل تجديد للعقد يرفع قيمة الإيجار، وأضاف: الإيجار في المناطق الشعبية في الرمل الفلسطيني أقل من 25 ألفاً أما ضمن المدينة فهو 50 ألفاً غير مفروش، ووصل سعر المتر من 75 الف إلى 200 في مناطق الشيخ ضاهر، وفي الكورنيش الغربي والأميركان وصل المتر لـ 500 ألف على العضم، طبعاً بحسب الإطلالة البحرية والخدمات الموجودة في البناء ( مصعد، بناء حديث، ملبس حجر…) وارتفاع أسعار مواد البناء يلعب دوراً كبيراً في ارتفاع الأسعار.
مازن عروس رئيس مكتب توثيق العقود في محافظة اللاذقية، قال: هناك عدة إشكاليات في قانون الإيجارات الجديد رقم 20 لعام 2015 فتثبيت العقد قبل 3 شهور من تاريخ التوثيق وإذا كان التثبيت بعد مضي الفترة معنى ذلك أننا نثبت عقداً منهياً، وثغرة في الأوراق المطلوبة في مناطق المخالفات والسكن العشوائي فتصريح خاص منظم لدى المختار بحضور شاهدين من الجوار مرفق ببيان قيد مالي أو تكليف مالي يثبت وضع اليد أو إيصال كهرباء أو ماء أو أي وثيقة تثبت علاقة المؤجر بالمأجور وهو ما يجعل الأمر سهلاً لأي شخص بأن يؤجر أي منزل بأوراق سهل الحصول عليها.
لا يزال لدينا عقود لمدد طويلة تتراوح بين 3 شهور وسنة ونصف السنة.
وأشار عروس إلى أن عدد عقود الإيجار الموثقة لغاية تاريخه 27984 عقداً وهي أقل من العام الماضي بسبب أن أغلبية العقود يتم توثيقها في محكمة الصلح، والموافقة الأمنية تحتاج فترة 15 يوماً لتصدر فيتم اللجوء للمخاتير أو المكاتب العقارية الخاصة لتوثيق العقد لمرة واحدة وعدم تجديده لكون دائرة التنفيذ تقوم بإخلاء المستأجر في أي وقت تشاء.
وكون العقد شريعة المتعاقدين فلا يوجد ضابط قانوني يلزم الأطراف بوضع الرقم الحقيقي للإيجار ما يؤدي لخسارة في خزينة الدولة، وأقترح أن يكون الرسم البلدي للعقد السكني بمعدل سنوي 5000 ليرة مقطوعة والعقد التجاري 10000 ليرة مقطوعة وإبقاء العقد حسب شريعة المتعاقدين بغض النظر عن مدة العقد ما يؤدي لإلزام الأطراف بذكر رقم الإيجار الحقيقي كون النسبة ممكن أن تكون أقل من الرقم المطلوب.
عرض وطلب
قصي عمار دكتور في كلية الاقتصاد قال: لا يمكن لمن يرغب أن يمتلك منزلاً أن يفعل ذلك بأقل من 5 ملايين ليرة كحد أدنى (حسب المحافظة؛ ومراكز المدن والضواحي)، ولا يمكن لمن يرغب باستئجار منزل أيضاً أن يفعل ذلك من دون أن يدفع 20 ألف ليرة شهرياً كحد أدنى أيضاً.
في الواقع، يخضع سوق العقارات كبقية أسواق الاقتصاد الوطني إلى قوى العرض والطلب لتحديد سعر العقار بيعاً وشراءً من ناحية، وأسعار الإيجارات من ناحية أخرى. وحسب النظريات الاقتصادية، لو كان عرض العقارات في مكان معين يتصف بالاحتكار الكامل فلن ترتفع أسعاره ما لم تكن هناك عوامل طلب ترفع من مستوياته، وتدفع الأسعار إلى أعلى. وكلما ارتفع الطلب على العقارات ارتفعت أسعاره وكلما انخفض تراجعت الأسعار.
مع بداية الأزمة الحالية شهد سوق العقار ركوداً نسبياً في أسعار العقارات، حيث لم يكن هنالك أي حركة عقارية بيعاً أو شراءً، خلال العامين الأوليين من الأزمة الحالية (2011، 2012).ولكن الوضع تغير منذ عام 2013، حيث حدث ارتفاع مطرد لأسعار العقارات في المناطق الآمنة (المنطقة الساحلية: اللاذقية و طرطوس)، بلغ خمسة أضعاف ما كان عليه قبل الأزمة التي غيّرت الكثير من واقع معيشة المواطنين. واستمر هذا الوضع في 2014.
بورصة العقارات
وأما الأسباب التي أدت الى ارتفاع أسعار العقارات، فكان بعضها منطقياً والبعض الآخر كان بسبب استغلال الظروف ولاسيما لجهة زيادة الطلب على العقارات ونزوح الآلاف من السكان إلى المحافظات الآمنة نتيجة الاعتداءات الإرهابية، الأمر الذي أدى إلى زيادة عدد السكان في التجمعات السكانية الآمنة، وهذا بدوره أدى إلى ارتفاع الطلب على العقارات بمعدلات مرتفعة. وتالياً جعل عامل التحكم بالأسعار في يد قوى السوق المتمثلة حالياً بأصحاب المكاتب العقارية والسماسرة والملاك.
أيضاً المضاربة على العقارات، في الواقع، إن عمليات البيع والشراء في السوق العقاري ليست مرتبطة بمسألة العرض والطلب فقط، بل مرتبطة أيضاً بالصراع الذي يكون بين المستثمرين، بحيث يكون السوق أقرب للبورصة خصوصاً في ظل غياب الرقابة التشريعية للحكومة على المضاربة في الأسعار من جانب أصحاب الشقق السكنية والسماسرة، وذلك بهدف تحقيق مكاسب ذاتية هائلة.
غياب الرقابة
لا يجب إغفال أن هناك مؤثرات جانبية تم استغلالها لرفع أسعار العقار وهي استمرارية الحاجة له من قبل المواطن خلافاً لعمليات الاحتكار الحاصلة به. وسط غياب الرقابة الحكومية، بات بعض المواطنين يسعّرون من دون أي عقلانية، وكذلك الأمر بالنسبة للإيجارات حيث استغل بعض المواطنين للأسف أيضاً حاجة بعض المضطرين إلى منازل ورفعوا أسعار الإيجارات ما شكل عبئاً كبيراً عليهم. حيث يقوم المستأجر باستئجار عقار بمبلغ معين، ولكن يقوم صاحب العقار بعد انتهاء عقد الإيجار برفع الإيجار، وإلا طرد المستأجر من العقار.
أيضاً الأسعار ارتفعت كثيراً وذلك نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة، حيث بات المواطن للأسف يعمل على تحويل سعر المتر وفق سعر الدولار في السوق السوداء.فكلما انخفضت قيمة العملة الشرائية، يتم تعويض هذا الانخفاض من قبل التاجر بسلعة كالعقار يرفع سعرها بنسبة توازي هذا الانخفاض للحفاظ على القيمة الشرائية لأمواله مضافا إليها نسباً أخرى. وبالتالي يجب أن يوازي السعر النهائي للسلعة (العقار) مبلغ إجمالي قيمة السلعة الأساسية قبل حصول التضخم مضافاً إليها نسبة انخفاض القيمة الشرائية للعملة ونسبة الربح الموضوعة على السلعة المحصلة النهائية كسعر سيخرج لنا بقيمة مرتفعة جداً.
فوضى البناء
وبالنسبة لتكلفة المتر فبعض التجار استغلوا الوضع الحالي ورفعوا أسعار مواد البناء مستغلين إقبال المواطنين لتشييد أبنية وطوابق إضافية، حيث انتشرت المخالفات بسرعة غير متوقعة. حيث وصلت تكاليف سعر المتر إلى أرقام مرتفعة نسبة إلى ما قبل الأزمة، فقد تضاعفت بحدود عشرة أضعاف عن الأسعار القديمة، فأصبحت تكاليف سعر المتر على الهيكل تصل إلى حدود 40000 ليرة، فيما كانت قبل الحرب بحدود 4000 ليرة.
في الوقت الراهن (منذ صيف 2016)، يشهد سوق العقارات على مستوى المنطقة الساحلية (اللاذقية وطرطوس) جموداً كبيراً في حركة البيع والشراء، في حين مازالت عمليات التأجير تشهد ارتفاعات شاهقة وكبيرة في الأسعار، مثلاً: منزل في اللاذقية وطرطوس مساحته لا تتجاوز 100 متر مربع، كان إيجاره لا يتجاوز 5 آلاف ليرة، في حين حالياً أصبح 35 ألف ليرة، وهو غير مفروش.
بعد استعراضنا للأسباب السابقة، يمكن القول إن مشكلة سوق العقارات لن تجد طريقها للحل خلال المدى المنظور ما لم يستقر سعر صرف الليرة، وعودة النازحين إلى مناطقهم للتخفيف من طلب العقارات في المناطق الآمنة.
تفعيل القانون (15)
ويكمن الحل الجوهري في لجم قوى السوق المتمثلة حالياً بأصحاب المكاتب العقارية والسماسرة والملاك، والتي تتحكم بالأسعار، وعودة الأمن والاستقرار للبلاد، وذلك لتأمين عودة النازحين إلى مناطقهم للتخفيف من طلب العقارات في المناطق الآمنة.
وتفعيل القانون رقم 15 للعام 2012 الذي يسمح بتأسيس شركات تمويل عقاري وشركات إعادة تمويل عقاري خاصة أو مشتركة على شكل شركة مساهمة غايتها تمويل عمليات التصرف والاستثمار بالعقارات واضطلاع وزارة الأشغال العامة والإسكان بدورها في معالجة الحالة العقارية المتردية، لجهة تأمين السكن للمواطن، وحشد كل الجهود والكفاءات والقدرات والأموال اللازمة للمساهمة في عملية البناء والإعمار وخاصة عمليات التشييد السريع للأبنية السكنية.
وتنظيم أعمال التطوير العقاري وإمداد قطاع الإسكان والتعمير بما يلزم من الأراضي المعدة للبناء والأبنية والخدمات والمرافق اللازمة لها وإقامة مدن وضواح سكنية متكاملة، ومعالجة مناطق السكن العشوائي وتأمين الاحتياجات الإسكانية لذوي الدخل المحدود بشروط وتسهيلات ميسرة.
والاعتماد على البناء البرجي الذي يستوعب أعداداً كبيرة من الأفراد. وضرورة تفعيل الدور الرقابي للحد من ارتفاع أسعار مواد البناء.
تسهيلات استثمارية
بالإضافة لمنح التسهيلات الاستثمارية اللازمة للشركات من ذوي الخبرة في المجال العقاري، وخاصة في مرحلة ما بعد الأزمة، وبشكل يخفف من التعقيدات الروتينية وتكون جاذبة لرؤوس الأموال الداخلية والخارجية.
وإنشاء معامل تشييد سريع أو مسبق الصنع في المدن الصناعية، وتشجيع مؤسسات التمويل طويلة الأجل مثل شركات التأمين وصناديق التقاعد في النقابات المهنية على دعم مشاريع الإسكان من خلال تولي بناء مدن كاملة بمساحات مختلفة وعرضها للإيجار، وهذا من شأنه أن يخفف من تحمُل تكلفة تمليك وحدة سكنية من جهة، وتحقيق مصلحة مؤسسات التمويل في الحصول على عوائد طويلة الأجل وكبيرة من جهة أخرى، وذلك من خلال منح الدولة هذه الشركات أسعاراً مميزة للأراضي، بشرط عدم لجوء هذه الشركات للاتجار بالأراضي مستقبلاً.
"تشرين"