العطارة موروث شعبي ..لكنها خطرة! غياب الرقابـة الصحية عن مهنة التداوي بالأعشاب ساهـم في انتشارها..

2016-11-14 11:04:56
 نقابة الأطباء: لا نعترف بالمشعوذين وعلى الجهات المعنية ملاحقتهم


لعل الاعتقاد السائد بأن تعاطي الأعشاب الطبية لا ينتج عنه أي أذى ولن يؤدي إلى التهلكة هو اعتقاد خاطئ جملة وتفصيلاً, ذلك أن حالات الطفح الجلدي المجهولة السبب وحالات ارتفاع الضغط المفاجئ القاتل في معظم الأحيان قد يكون مرده خلطة عشبية غير مدروسة المكونات لشخص ما يعاني من أكثر من حالة مرضية ،ففي الحين الذي تساهم فيه وصفة عشبية ما في التقليل من الأعراض المرضية عند أحد الأشخاص  تفاقم الحالة للبعض الآخر. والسبب في ذلك هو أن واصف العلاج يجهل تماماً المكونات الكيميائية للأعشاب المستخدمة في وصفته العشبية هل هي ذات تأثير مضاد على أمراض أخرى يعانيها المريض نفسه على المدى القريب أو البعيد؟
فنبتة الجينسينغ مثلاً من الأعشاب المداوية في الحالات السرطانية الشائعة لما لها من قدرة على تقوية جهاز المناعة في الجسم والمضادة للخلايا السرطانية لكن استخدامها فترات طويلة قد تصل إلى 3 أشهر مثلاً قد يكون غير مستحسن لأنه قد يسبب ارتفاعاً في ضغط الدم والأرق الشديد لكن يحذر تناول عشبة الجينسينغ مع أي نوع من الأدوية المدرة للبول والضغط أو أدوية الشرايين والقلب أو حتى الأغذية التي تعمل على زيادة النشاط الذهني، كذلك هناك تحذير مهم جداً من استخدام الجينسينغ مع مضادات تخثر الدم أو حتى الأسبيرين لأن مخاطر حدوث نزيف كبيرة جداً بحسب مصادر طبية.
نحن لا ندعو إلى تجاهل مهنة التداوي بالأعشاب أو الاستغناء عنها لكننا نشير إلى ضرورة تطبيق أسلوب البحث العلمي والتحليل والتدقيق في التعامل معها وأن تكون ممارستها تحت إشراف ورقابة وزارة الصحة كما حصل في بعض البلدان العربية كمصر على سبيل المثال.

خلطات..!!
السيدة أم حسن التي تعاني من ديسك وفتق في النواة اللبيّة في منطقة الظهر تروي أنها قامت بمراجعة أحد العطارين الموجودين في منطقة سكنها يقوم بوصف خلطات عشبية للمرضى وأكدت أن الدكان الموجود قرب الصيدلية في إحدى مناطق المخالفات يشهد ازدحاماً كبيراً من قبل المراجعين… وعن تجربتها تقول : إن العطار المذكور وصف لها 5 لصاقات تحتوي على خليط من الأعشاب الطبية لتضعها على مكان الألم ما أدى إلى حروق بالغة في ظهرها من الدرجة الثانية أنساها أوجاع الديسك لتعاني من أوجاع الحروق فسارعت إلى طبيب الجلدية للتداوي منها والحصول على الدواء المناسب. وتشير أم حسن إلى أن تكلفة التداوي بالأعشاب قد تجاوزت عند العطار 70 ألف ليرة.
تجارب أخرى
أبو محمد أكد أنه ومن جراء تناوله حبة واحدة فقط وصفها له أحد العطارين كوصفة منحّفة عانى هبوطاً شديداً و مفاجئاً في الوزن، الأمر الذي أعياه بشدة وأفقده حتى القدرة على الوقوف على قدميه. أما السيدة (م.ر) التي فضلت عدم ذكر اسمها فقالت : إن ابنتها البالغة من العمر 35 عاماً والمصابة بسرطان الثدي كانت قد توفيت السنة الفائتة بسبب إصرار العطار المعالج لها على توقيف جرعات الكيماوي والاكتفاء بخلطاته العشبية وبعد بكائها المرير على ابنتها وإعرابها عن ندمها أكدت الأم ضرورة تشديد الرقابة على هؤلاء الدجالين المنتشرين بكثرة في الأحياء الشعبية التي يتصف سكانها بالقدرة المادية الضعيفة وليست لهم مقدرة على أسعار الأدوية ومعاينات الأطباء الملتهبة والتي لا ترحم صاحب علة أو فقيراً بحاجة .
في جولة في سوق مدحت باشا (سوق العطارين بدمشق) أكد (م.ع) أحد أشهر العطارين في السوق والذي ورث المهنة عن والده الذي ورثها عن جده أن السوق واسع وكبير وقديم جداً وتعود ملكية أغلب الحوانيت الموجودة فيه لعائلات دمشقية معروفة توارث أفرادها المهنة منذ مئات السنين, وهو يشتهر بأعشابه الطبية و محالّه التي تبيع مواد العطارة والزهورات الشامية والأعشاب التي تستخدم في الطب الشعبي، ويضيف: يتميز هذا السوق بـ «الحوانيت»، أي المحلات الصغيرة المختصة ببيع الأعشاب الطبية والخلطات الغريبة والوصفات السحرية التي تعالج كبار السن الذين يتوجهون للعطارين عند مرضهم وأغلب الذين يؤمنون بالفوائد الخارقة لوصفاتهم. ويشير أبو محمد أحد الباعة الموجودين في السوق إلى أن أهم الأمراض التي تعالجها الخلطات الطبية التي يصفها هي أمراض المعدة والقولون والالتهابات الصدرية والأعصاب ويوضح أن السوق يحتوي على الآلاف من الأعشاب ذات الخصائص العلاجية العظيمة فمثلاً نبات «الشيح» تحوي أزهاره زيتاً طياراً يستعمل كمشروب يزيل الحرارة ويعالج الروماتيزم, أما «الخلة» التي تغلى ثمارها ويشرب ماؤها فتستخدم لإدرار البول وتسكين آلام المغص الكلوي والتخلص من الحصى الموجودة في الجهاز البولي، و«الحبق» و«البابونج» و «المريمية» و«الزعتر البري» والنعناع تعالج أمراض المعدة والتهابات القصبات .
خلطات سحرية!!
من أكثر الخلطات التي لفتتني وأثارت حفيظتي تلك الوصفة التي يصفها العطارون لزيادة طول قصير القامة، ويصفها العطارون بالخلطة الإعجازية لما تحتويه من فوائد كبيرة وتفاعلات كثيرة في الجسم لزيادة الطول.وتتألف الخلطة المعجزة من ملعقة كبيرة من حبة البركة وملعقة من بذور الحلبة وخمسة أضراس من الثوم وليتر واحد من حليب الإبل الطازج.. تطحن المكونات وتضاف إلى الحليب وتشرب عدداً من المرات في اليوم والنتيجة بعد 40 يوماً على ذمة العطارين… ويبقى السؤال: ما تأثير تلك الوصفة في الغدة النخامية المسؤولة عن موضوع الطول مثلاً؟
أين وزارة الصحة؟
أكدت وزارة الصحة -مديرية الشؤون الصيدلية أن كل ما يتم ترخيصه وتسجيله في الوزارة وهو مستحضرات مسجلة ضمن شروط التسجيل من قبل لجان مختصة ولا يسمح بتصنيعها أو استيرادها إلا عن طريق منشأة أو مستودع أدوية مرخص أصولاً بإدارة صيدلي مدير فني.
وتؤكد الوزارة أن طب الأعشاب يصنف إلى أدوية نباتية وهي خلاصات وتعامل معاملة الأدوية بطريقة التسجيل والترخيص.
واشارت  الوزارة إلى أن الترخيص والتسجيل يعتمد على عدة دراسات فنية وتحاليل لدى المخابر المعتمدة من قبل الوزارة للتأكد من المطابقة مع المواصفات المطلوبة من حيث الأمان والجودة حيث تتم المراقبة من قبل مديرية الرقابة الدوائية عن طريق جمع عينات عشوائية بشكل دوري وتحال للتحليل للتأكد من مطابقتها للمواصفات وفي حال مخالفتها يتم سحبها وإتلافها أصولاً.
ففي حال وجود مستحضر غير نظامي في الأسواق يمنع تداوله وتعالج المخالفة حسب الأنظمة والقوانين النافذة أصولاً.
لا وجود لمهنة العطارة
بعد أخذ ورد وطول انتظار أكدت محافظة دمشق أن مديرية خدمة المواطن هي المعنية بإطلاعنا على شروط ترخيص المهنة، فتوجهنا إلى المديرية, ودققنا في دليل ترخيص المهن فلم نجد أي ذكر لمهنة العطارة ضمن المهن المرخصة لديهم بالرغم من وجود سوق عطارة كامل في منطقة مدحت باشا، واكتفت المحافظة بأنه يمكن الترخيص لتلك المحال على أنها بزورية لبيع البهارات وبعض  المواد الغذائية مثل السمن والزيت وغيرها.
ركائز علمية
فما نظرة الباحثين في علوم الاجتماع وكيف يفسرون اللجوء إلى التداوي بالأعشاب؟ د.حسام سليمان شحاذة الباحث الاجتماعي يقول: ترجع الممارسات الشعبية للتداوي بالأعشاب إلى عصور قديمة قدم الإنسان ذاته وهي علم له ركائزه وأسسه العلمية، وله اعتمادية في معظم كليات الطب البشري والصيدلة في العالم العربي والغربي عموماً، وممارسات استخدام الأعشاب الطبية فعالة في معظم الأحيان إذا كانت صادرة عن مختصين في هذا المجال، لكن ما يحصل في معظم الحالات وخصوصاً في التجمعات السكانية العشوائية أو الفقيرة أن أسيء استخدام طريقة التداوي بالأعشاب لعدة أسباب أهمها: انتشار الأمية والفقر بين سكان تلك التجمعات البشرية بنسب ليس من السهل تجاهلها.
عطار أيام زمان
ويشير د .حسام شحاذة إلى أن اعتماد طريقة التداوي بالأعشاب بين أفراد هذه الطبقة غالباً ما تقوم على أسلوب المحاولة والخطأ فيها، فقد تنجح خلطة عشبية في شفاء أحد الأشخاص لكنها قد تكون قاتلة بالنسبة لشخص آخر،  كما أن غياب الرقابة القانونية على من يمارس طريقة التداوي بالأعشاب ساهم في انتشار الظاهرة إضافة إلى ضعف تفعيل وسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية للتنبيه من خطر هذه الطريقة في العلاج.
ويضيف الشحاذة أنه في سبيل الحد من مخاطر هذه الطريقة في العلاج الذي أصبح منتشراً اليوم حتى بين أوساط المثقفين يجب تقصي أماكن تجمع العطارين وأطباء الأعشاب وتوعيتهم بخطر الوصفات العشبية غير المؤكدة ومحاولة تنظيمهم عبر نقابة أو منظمة شعبية أو جمعية مرخصة ليمارسوا أعمالهم تحت إشراف طبي لوزارة الصحة اقتداءً بجمهورية مصر العربية وتونس، والعمل على تنظيم دورات تدريبية لكل من يرغب بممارسة هذه الطريقة في التداوي بالنسبة للأمراض الخطيرة أو المزمنة والتي تقع في إطار العلاج الطبي حصراً والعمل على نشر الوعي الصحي بأن التداوي بالعلاج الطبي يأتي في المقام الأول وأن العلاج بالأعشاب لا يتعدى حدود الوعكات الصحية العارضة وتحت إشراف مختصين وأكد ضرورة مكافحة الأمية بين جميع الفئات العمرية للمواطنين المقيمين في التجمعات السكانية العشوائية والفقيرة فالأمية تشكل ما نسبته90% من مسببات التداوي غير المدروس بالخلطات العشبية.
اعتراف صريح..!!
نقيب الأطباء د. يوسف الأسعد أكد أن النقابة لا تعترف بأي طبيب غير مسجل رسمياً بهذه النقابة وأنه لا وجود لمثل هذه النوعية من الأطباء الذين يداوون بالأعشاب بل إن الأمر يقتصر على بعض المشعوذين والدجالين المنتشرين في مناطق العشوائيات وأن زبائن هؤلاء هم من الفقراء والجهلة غالباً. وهنا تطالب النقابة الجهات الرقابية المختصة بضرورة ملاحقتهم ومنعهم من إعطاء هذه الخلطات العشبية غير الآمنة صحياً والتي قد تودي بحياة بعض الأشخاص.
وفي رده على أن البعض يلجأ إلى الطب الشعبي نتيجة ارتفاع أجور الأطباء و معايناتهم إضافة إلى ارتفاع أسعار الأدوية يقول الأسعد: إن الدولة تقوم من خلال مراكزها بتأمين المعاينات الطبية المجانية في عياداتها إضافة إلى كل أنواع الأدوية لمراجعي تلك المراكز ولا يوجد أي نقص فيها يدفع المواطنين للجوء إلى هؤلاء الدجالين إلا أهواءهم الخاصة أو بعض العادات الموروثة في بعض الأحياء القديمة.
تنظيم ومراقبة
إن مهنة العطارة ترتبط بصحة المواطن بشكل مباشر وهي من المهن ذات الخطورة العالية على الإنسان وهي ذات الأولوية التي يجب على الجهات المعنية وخاصة وزارة الصحة تنظيمها ومراقبتها وخاصة في ظل عدد لا يستهان به من ممارسي المهنة والمدعين لخبرة متوارثة في هذا المجال ممن يطلق عليهم شيوخ الكار ويطلقون على أنفسهم أطباء أعشاب طبعاً من دون أي مؤهل علمي يعتمدون عليه في تحضير خلطاتهم .

تشرين

#شارك