ثلثهـا خارج العملية الإنتاجية.. الثروة الحيوانية تراجعت تربية وإنتاجاً بسبب الأعمال الإرهابية

2016-08-18 11:58:30
كغيرها من القطاعات ثأثرت الثروة الغنمية من جراء الأعمال الإرهابية التي طالت البشر والحجر، وحسب وزارة الزراعة  خرج نحو ثلث ثروتنا الغنمية من الإنتاج، هذه الثروة التي تعادل النفط، ليزيد من عبئها عملية التهريب التي نشطت بشكل كبير عبر الحدود، فيما يؤكد مدير الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة أيمن دبا اعتماد سياسة متوسطة المدى للمحافظة على ما تبقى في المناطق الآمنة من خلال تقديم كل مستلزمات الإنتاج دعماً للمربين، وتوزيع الأعلاف بشكل مدعوم وتقديم لقاحات وقروض معدومة الفائدة وغيرها.. بينما يرى أـصحاب الشأن أنه يجب الاهتمام بالزراعة بشكل أقوى لأنها قاطرة النمو، وقمع التهريب أو السماح بالتصدير وفق دراسة علمية متأنية..
في هذا التحقيق نتناول واقع الثروة الغنمية في ظل الحرب، وخروج مساحات الرعي من الخدمة، وهذا يعني تراجعاً في الإنتاجية وأعداد المربين وارتفاعاً في الأسعار، فماذا عن أوجاع الفلاحين؟COWS14

لا يزال القطاع قائماً
بالرغم من تراجع نحو ثلث الثروة الحيوانية ولاسيما الأغنام، فإن السياسة المتبعة كانت ناجعة بدليل أن هذا القطاع لايزال قائماً ولم نستورد إلا بحدود ضيقة، بينما في الدول المجاورة، التي حدثت فيها أحداث مماثلة انهارت الثروة الحيوانية بشكل كبير.
فقد توقع المهندس أيمن دبا مدير مشروع الثروة الحيوانية في وزارة الزراعة كرقم تقديري خروج ثلث الثروة الحيوانية من الإنتاج بسبب ظروف الحرب، ولا سيما في مناطق تمركز الثروة الحيوانية في منطقة الاستقرار/5/ أي البادية الشرقية كالحسكة والرقة ودير الزور، وهذا يعني تراجعاً في الإنتاجية منوها بأنه في مقدمة أسباب تقلص هذه الثروة الحرب التي طالت البشر والحجر اضافة الى نزوح أعداد كبيرة باتجاه المناطق الآمنة، يعني أعباءً كبيرة يتكبدها المربي سواء من جهة النقل وغلاء الأعلاف أو تقلص مساحات الرعي في المناطق الآمنة.
وفي المقابل سعت الحكومة جاهدة، لتأمين الظروف الملائمة للحفاظ على ما تبقى لنا من خلال اعتمادها سياسة متوسطة الأمد للمحافظة على الخدمات المقدمة للمربين بشكل مستمر، كتشجيع الفلاحين على الاستمرارية في تربية الأغنام إذ تعمل على توزيع الأعلاف مدعومة، وضمن دورات علفية وفقاً للعدد الإجمالي لقطيع الأغنام الذي يملكه المربي قبل الحرب كنوع من الدعم، كذلك الاستمرار في تقديم اللقاحات والتحصينات مجاناً ضد الأمراض، ولهذا لم تسجل حالات أوبئة لأمراض منتشرة في سورية خلال هذه الظروف، وهذا يدل على أن النظام الوقائي فعال مشيراً الى أنه أحياناً يتم التواصل مع الأطباء البيطريين الموجودين في الرقة ويأخذون حصتهم من اللقاحات من محافظة الحسكة بتنسيق مسبق فيما بينهم.
بدائل علفية
وأضاف دبا: لأن الزراعة والثروة الحيوانية توازي النفط في أهميتها تعمل الدولة على وضع بدائل علفية في المناطق التي تربى فيها الحيوانات، فمثلاً أغلب المواد مثل التبن والشعير تزرع في مناطق وتنقل الى مناطق أخرى وحتى نحد من عملية التنقل نحاول الاستفادة من الموارد المحلية بإدخال زراعات بديلة وإدخال نظام زراعي واستثمار المخلفات الموجودة، ففي منطقة الغاب أدخلت زراعة محاصيل تتحمل الملوحة وكذلك في منطقة الاستقرار 3-4 تم غرس شجيرات رعوية ضمن خطة مدروسة حتى لا تؤثر في المساحة الانتاجية وفي منطقة الاستقرار -1- خاصة في الساحل تمت زراعة الصبار على الحدود الحقلية.
توزيع قروض
ومما تم تقديمه للمربين تشجيع ومساعدة البعض الذي خسر قطيعه أثناء تنقله من منطقة لأخرى وتالياً أصبح خارج المنطقة الإنتاجية، إذ تم تقديم قروض تمويل لمشاريع متناهية الصغر سقفها 200ألف ليرة بفوائد شبه معدومة تسدد خلال 18 شهراً، وهذه القروض مخصصة لشراء حيوانات أو شراء أعلاف للاستمرار في عملية التربية منوها بأنه الى هذا التاريخ تم توزيع 140مليون ليرة ونتوقع أن يصل المبلغ الموزع الى 200مليون ليرة.0001CBF0
70% للأعلاف
بالرغم من انخفاض الطلب على المنتجات الحيوانية بسبب ارتفاع الأسعار وانخفاض الإنتاجية فإن الدولة لم تستورد منتجات ثروة حيوانية، يقول مدير الثروة الحيوانية مشيرا الى أن التوازن بين اللحم الأبيض والأحمر مرتبط باستيراد الأعلاف وتالياً متعلق بقيمة صرف الليرة السورية لأن 70% من تكاليف الإنتاج تذهب للأعلاف، وارتفاع أسعار المحروقات وأجور العمالة وسعر الصرف أمور تؤثر بمجملها في سعر اللحوم الحمراء.
التصدير محدود
قد يكون التصدير سبباً في استنزاف هذه الثروة  وينعكس ارتفاعاً في أسعار اللحوم لمرات، كما بيّن المهندس دبا الذي قال: إن سورية قبل الحرب كانت تصدر، أما في هذه الظروف فالتصدير بشكل بسيط وضمن خطة مدروسة أي ضمن مواليد الأغنام وانتهاء عملية التسمين تفتح حينها الدولة مجال التصدير لفترة قصيرة جدا وتكون عملية التصدير بالتنسيق مع الجهات المعنية ولاسيما الاقتصاد باعتبارها الجهة المعنية بالتصدير.. كما يؤكد المهندس مهند الأصفر بوصفه عضواً في اتحاد المصدرين أنه في حال كان التصدير ممنهجاً ومدروساً ضمن الآلية المطلوبة فهذا الأمر يرفع من الاقتصاد لأن التصدير هو القناة الرئيسة لجلب القطع الأجنبي، مضيفاً أن التصدير في حال كان مدروساً يساعد على وقف التهريب ويضمن حضورنا السوري في السوق العالمية نافيا أن ينعكس ارتفاعاً في الأسعار في سوقنا المحلية.
ووفق الدراسة التي أجراها اتحاد المصدرين فإن العدد المسموح بتصديره لا يتعدى 50-60 ألف رأس غنم، وهو لا يخل بميزان ويجعل الأمور تحت السيطرة، كما أنه يمكن تأمينه ببساطة منوها بأن تصدير 30ألف رأس خلال العام الماضي كمية بسيطة وتمت بالتنسيق مع الجهات المعنية.
التهريب
عند طرح السؤال على المعنيين عن التهريب الذي يعد السبب الثاني بعد ممارسات الجماعات الإرهابية  في استنزاف الثروة الغنمية يبقى الحديث ضمن إطار التلميح والعموميات عند البعض.. أحد المهتمين، مفضلاً عدم ذكر اسمه، بيّن أن ارتفاع الأسعار دائما يكون خلال مواسم الأعياد والمتعارف عليه أن الأغنام السورية من أغلى اللحوم وتالياً يهرب عن طريق السويداء الى الأردن ولبنان ليصدر الى دول الخليج، مشيراً الى أن لبنان يصدر أعداداً من الأغنام أكبر من أعدادها لديه تأتي عبر سورية بالتهريب فبما أن التصدير مكلف جدا لذلك التهريب هو سبب ثان في الفترة الحالية لتناقص أعداد الثرة الحيوانية علما أن هذا الأمر موجود قبل وأثناء الحرب بهدف الربح ويزيد أثناء الأعياد حيث تنشط عملية التهريب بشكل أكبر.
في هذا السياق يقول الباحث اسماعيل عيسى أن هناك وجهتي نظر الأولى تتساءل: لماذا لا يحوّل التهريب الى تصدير وتستفيد الدولة من الضرائب والقطع الذي يعود الى خزينتها وهذا الرأي حسب عيسى يتضمن دس السم في العسل لأن المهرب الحقيقي ليس المربي الذي يهرب رأساً أو رأسين إنما المهرب هو التاجر الذي يهرب عشرات السيارات المملوءة بالأغنام.
ووجهة النظر الثانية هي وجهة نظر حكومية ويقصد بها الاتحاد العام للفلاحين وهو رأي علمي حسب قوله، ففي فترة توقف التصدير لا توجد أساسا أغنام قابلة للتصدير وبالتالي ما يحصل هو تصدير الأمات وهذا سيؤدي إلى حرمان الشعب السوري من أكل لحم العواس وهذا يؤدي إلى ارتفاع أسعاره، لذلك المطلوب من الحكومة الاهتمام بالزراعة بشكل أقوى من السابق لكون قطاع الثروة الغنمية هو نفط ثان فعندما نقول: لدينا 25مليون رأس غنم في موسم واحد يعني أن قيمة صادراتنا تعادل النفط لافتاً الى أن الحكومات السابقة المتعاقبة رأت أن قاطرة التنمية هي  السياحة بينما ما يحقق الأمن الاقتصادي للبلد هو الزراعة!
أرقام تأشيرية
المهندس أحمد عوض- مدير دائرة الإحصاء في الاتحاد العام للفلاحين أكد أن اجمالي أعداد رؤوس الأغنام في سورية، وحسب وزارة الزراعة لآخر احصائية لعام 2011، زادت على 18٫200 مليون رأس غنم وفيما بعدها اعتمدنا الأرقام التأشيرية لصعوبة الوقوف على واقع الثروة الحيوانية.. فعلى سبيل المثال في محافظة الرقة كرقم تأشيري لعام 2014 عدد قطيع الأغنام يزيد على مليوني رأس غنم واقترح العوض العمل على تثبيت المربي في أرضه وخاصة في المناطق الآمنة من خلال تأمين البنى التحتية من ماء وبذار ووسائل نقل وتأمين جميع المستلزمات لضمان استمرار العملية الإنتاجية.
مع المربين..
تراجع حال الأسر التي تعتمد على تربية الأغنام كمورد وحيد في حياتها، كحال الواقع العام في البلد، لارتباط هذه المهنة بارتفاع أسعار المواد العلفية والمحروقات وغيرها ما أدى الى تراجع هذه المهنة من ناحية تقلص الأعداد وتراجع مساحات الرعي وغيرها..
في اتصال مع المربي أبو أحمد من محافظة حمص أكد أن المشكلة تكمن في الارتفاع غير المقبول للمحروقات، إضافة إلى مزاجية الجمعيات الفلاحية في توزيع المواد العلفية وعدم كفاية كميات العلف المدعوم، كما اشتكى من غلاء الأدوية البيطرية داعياً الجهات المعنية الى النظر الى أوضاع المربين بعين الرأفة وتقديم المزيد من التسهيلات لاستمرار العملية الانتاجية.
تراجع أعداد القطيع
ويقول أبو نواف مربي أغنام: إن الأسرة كاملة تعتمد في حياتها على تربية المواشي.. فهي مهنة متوارثة عن الأجداد، ولايوجد لديهم خيار آخر وحياتهم في هذه الظروف تراجعت كحال بقية الأسر التي تعتمد على تربية المواشي إذ تقلصت أعداد القطيع فقد كان لديه حسب قوله 335 رأساً من الغنم وبسبب الأعمال الإرهابية وضيق المساحات وتكاليف التنقل تراجع قطيعه الى 150رأساً لذلك يطالب بزيادة الدعم حتى يحافظ على قطيعه الذي يشكل مصدر رزقهم الوحيد.
تأمين المواد العلفية
وللاتحاد العام للفلاحين وجهة نظره لكونه الجهة المدافعة عن الفلاح، يقول عبد الغفور الخليل رئيس مكتب التنظيم والتأسيس في الاتحاد العام للفلاحين: بالتأكيد تراجعت الثروة الحيوانية ومنها الأغنام ضمن الظروف الحالية وهذا يعود إلى ظروف الحرب وتواجد المجموعات الإرهابية على أكثر المناطق التي تتركز فيها تربية الأغنام منها ريف دمشق والبادية الشرقية، ولكن المطلوب العمل للحفاظ على ما تبقى من خلال تشجيع المربين، فعلى سبيل المثال تراجع المقنن العلفي فقد كانت الحاجة الفعلية 12مليون طن قبل الحرب وحالياً تقدم المؤسسة العامة للأعلاف فقط 200-300طن حسب إنتاج المعامل ومواسم التسويق لمادة الشعير.
ولفت إلى أن المؤسسة تعمل على تأمين المواد العلفية من السوق المحلية أو الخارجية لأن المقنن الذي تقدمه يكون حسب الامكانات المتاحة، منوها بأنه بالنسبة للمنطقة الشرقية فإن الانتاج بالكاد يكفي السوق المحلية ونقله مكلف جداً.
الوجع مشترك
في كتاب من اتحاد فلاحي ريف دمشق يتضمن المشكلات التي يعانيها المربون، وهي صورة قريبة من معاناة الجميع على امتداد القطر، إضافة الى الظروف الأمنية فكميات الأمطار الهاطلة قليلة جدا والمراعي دون الوسط وفي المناطق الآمنة يستطيع الفلاح الحصول على الأعلاف لكن هناك صعوبات كثيرة يعانيها منها: عدم وجود مراكز التسويق بعمق البادية من أجل تصريف منتجاتهم كما أن الأسعار لا تتناسب مع أسعار المواد المستوردة والمحلية فضلاً عن أن كميات الأعلاف لا تكفي وصعوبة وصول المخصصات بسبب الأوضاع الأمنية، ويقترح الفلاحون زيادة المقنن العلفي مع إعادة توزيع مادتي النخالة والكسبة وإدراج زراعة المحاصيل العلفية ضمن خطة الدعم وتشجيع مشاريع الزراعة في البادية.. ورأى المهندس عبد الرحيم أن هذه المشكلات هي ذاتها في بقية المحافظات ومطالبهم تتمثل بتأمين حاجاتهم وزيادة المقننات.
الإعفاء من الضرائب
أمام هذا الواقع يبقى لأصحاب الشأن والمتابعين وجهة نظر مختلفة، الباحث الاقتصادي والمتخصص بالشؤون الزراعية إسماعيل عيسى يرى أن الأرقام التي وصل إليها قطيع الأغنام قبل الحرب هو 24 مليون رأس وينقص هذا الرقم 4ملايين رأس نتيجة تفاوت وجهات النظر ما بين المربين الذين يعمدون عادة الى زيادة عدد أغنامهم من أجل الحصول على الأعلاف وأرقام الحكومة التي غالباً ما تعتمد على الأرقام المكتبية ولذلك تكون اعتراضات كثيرة من قبل المربين ولاسيما أن البادية واسعة وقد يكون المربي في إحدى المناطق ويحصي في منطقة ثانية.
ويضيف أنه يمكن أخذ الرقم الوسطي بين الرقمين ومن المعروف أن أغنام العواس هي أغنام لا يوجد لها مثيل في العالم ولاسيما أن البيئة السورية تتميز بمقاومة الأمراض فهي ثلاثية الانتاج (اللحم والصوف واللبن ومشتقاته) وهذه ميزة غير متوافرة في أنواع أخرى، كما أن مذاق اللحم مميز بنكهته ما يجعله مرغوباً، لذلك عندما بدأت الحرب كانت الأغنام أولى الضحايا حيث فقدت المراعي التي تقدم الأعلاف بشكل مجاني لأن قسماً كبيراً يقع في مناطق وجود المسلحين ما دفع المربي للهرب، أيضا فقدان مياه الشرب فمن المعروف أن الدولة قامت بحفر عشرات الآبار الارتوازية وركبت عليها المضخات من أجل سقاية الأغنام وتعرضت هذه الآبار للدمار والسرقة.
والعامل الأهم تناقص كمية الأعلاف إما نتيجة خروج المعامل التي تنتجها وإما بسبب ارتفاع سعر الصرف الذي رفع سعر الاعلاف مثل الصويا إضافة إلى ماهو أخطر وهو تهريب الأغنام إذ إن عدم وجود ضوابط على الحدود السورية وخاصة على الحدود الأردنية والعراقية والتركية دفع بعض التجار الى شراء الأغنام ثم تهريبها وبشكل خاص الإناث.
ويضيف عيسى إنه ترتب على تلك العوامل تبعات منها ارتفاع أسعار اللحوم بشكل كبير ما جعلها خارج استهلاك معظم الناس، إذ وصل سعر الكيلو الواحد إلى 5000ليرة وكذلك ارتفاع أسعار الحليب ومشتقاته، اذ وصل سعر كيلو الجبن إلى نحو1400ليرة وهذا أيضا حرم أغلبية الناس من انتاج بضاعته لتحل محل هذه المنتجات لحوم مستوردة وحليب مستورد وبذلك خسرنا الإنتاج وخسرنا القطع الذي ندفعه ثمناً للمستوردات.
قمع التهريب
ويؤكد الباحث عيسى أنه أمام هذا الواقع المطلوب من الجهات المعنية أن تترجم هذا الاهتمام الى وقائع من خلال محاولة جذب الأغنام السورية إلى الأماكن الآمنة ما أمكن ذلك وتقديم دورات علفية مكثفة تضمن زيادة القطيع وتناسله، والأهم دعم أعلاف الأغنام بإعفاء مكوناتها من الضرائب المحلية والجمركية والتشدد بقمع التهريب مع التركيز على موضوع الرعاية البيطرية والتشدد في مسألة التصدير ضمن المواعيد المعروفة.


تشرين

#شارك