قطـاع الدواجن في درعا يدق ناقوس الخطر.. تفاقم تكاليف الإنتاج يهدد تربية الدواجن بالانهيار
2016-08-01 10:29:27
التحق الفروج بقائمة الكماليات وأصبح من النادر وجوده على موائد الأسر بعد أن كان الملاذ المعقول سعراً والأكثر رواجاً
لسد حاجتها من وجبات اللحوم بعد أن التهبت أسعار اللحوم الحمراء خلال سنوات الأزمة، وذلك نتيجة ارتفاع أسعاره الجنوني مؤخراً وبشكل متسارع فاق كل التوقعات، وهذه الحال تحدث في محافظة درعا التي تعد من المحافظات الأكثر إنتاجاً للفروج والتي يعمل في دواجنها نحو 17% من عدد السكان.. أمام هذا الواقع يستهجن المواطن غياب الجهات الوصائية عن إيجاد الحلول المناسبة التي تسهم في تأمين هذه المادة الغذائية الأساسية بالأسعار التي تتناسب مع دخله المحدود، على حين أن المربين يسطرون جملة من الأسباب التي أدت إلى تفاقم الأسعار وأخرجت الكثيرين منهم من العمل بسبب الخسائر الكبيرة والمتلاحقة التي طالتهم وبددت رأسمالهم في ظل غياب الدعم الحكومي لهم إن لجهة تأمين الأعلاف بأسعار معقولة أو لجهة تمويلهم بقروض ميسرة، وجميع من هم على علاقة بقطاع الدواجن يتوقعون استمرار تسرب المنتجين قسرياً في حال استمرت الأمور على هذا المنوال ما يهدد بتدهور هذا القطاع وإنتاجه أكثر فأكثر.
المستهلك يئن
عبّر عدد من أرباب الأسر عن حيرتهم كيف يتدبرون ثمن وجبات اللحوم لأبنائهم الذين لا يقتنعون بأي مسوغات لجهلهم وعدم إدراكهم معنى ضعف القدرة الشرائية لآبائهم في ظل الأسعار الجنونية للحوم على اختلافها، لافتين إلى أنهم شطبوا منذ أكثر من سنتين اللحوم الحمراء من قائمة الوجبات الغذائية وكان البديل لحم الفروج الذي كان قبل عدة أشهر لا يتعدى سعر الكيلو الواحد للحي منه 600-700 ليرة وتالياً بقيمة 1500 ل.س لدجاجة واحدة يمكن قضاء رغبة الأسرة في وجبة لحوم، لكن بعد التفاقم المتسارع منذ ما قبل شهر رمضان المبارك بقليل لسعر الفروج الذي وصل إلى نحو 1300 ليرة للكيلو الواحد أصبح شراء فروج واحد يحتاج حسبة خاصة تحذف في مقابله حاجات أساسية أخرى للمعيشة، وأبدى من التقيناهم جهلهم بتفاصيل عملية تربية الفروج وتكاليفه، لكنهم يصرّون على التساؤل: أين دور الجهات المعنية التي تصدر الإعلان تلو الآخر عن اهتمامها بالشأن المعيشي للمواطن وتأمين حاجاته بالجودة والأسعار المناسبة كأولوية؟ بينما لا توجد مفاعيل لذلك على أرض الواقع وكأن المواطن متروك لمصيره البائس معيشياً، وطالبوا بالتدخل في أسرع وقت ممكن لكبح جموح أسعار الفروج وإعادتها إلى مستويات معقولة، آملين أن يصار إلى استيراد الفروج وطرحه في الأسواق مادام الإنتاج المحلي قليلاً وتكاليفه باهظة جداً.
كلف عالية
عدد من المربين أشار إلى أن تكاليف إنتاج الفروج عالية جداً إذ يصل سعر الكيلو غرام الواحد من علفه المكون من الصويا والذرة والمتممات من فيتامينات ومعادن إلى نحو 235- 240 ليرة ويحتاج الفروج الواحد حتى يصبح بوزن 1,8 كغ إلى 4 كغ علف أي ما يفوق 1000 ليرة وتستمر دورة إنتاج الفروج من 1,5- 2 شهر يتطلب خلالها تكاليف إنارة وتهوية وتدفئة ولقاحات وأدوية ويداً عاملة ليست بقليلة ناهيك بثمن الصوص الواحد البالغ ما يفوق 225ل.س، وكذلك الأمر بالنسبة للدجاج البياض الذي تستغرق دورته 5 أشهر حتى يبدأ بإنتاج البيض، وخلال هذه الفترة يحتاج 8 كغ علف بقيمة تصل إلى أكثر من ألفي ليرة وبعدها يتطلب الطير الواحد يومياً 135 غرام علف من خلطة الصويا والذرة والنخالة والشعير، إضافة للمتممات ويستمر إنتاج البياض مدة عام واحد ينسق بعدها.. وبحساب مجمل التكاليف على تعددها وتنوعها فإن تكلفة إنتاج صحن البيض في أرض المزروعة تصل إلى 1000- 1050 ليرة والحال يقاس على أمات الفروج فهي مكلفة جداً وتستغرق دورتها 6 أشهر حتى تدخل في إنتاج بيض تفقيس الصيصان، وبتفصيل أكثر لتوضيح مفردات تكاليف إنتاج الفروج زودنا أحد المربين بنشرة معدة من مؤسسة الدواجن وفيها قيمة 4 كغ علف جاهز للفروج تبلغ 1000ل.س والصوص 225 ليرة وتدفئة وإنارة ومياه شرب 135 ليرة ولقاحات وأدوية 45 ليرة وأجور يد عاملة مع مشرف 30 ليرة واهتلاكات حظيرة ومستودعات وعدد وأدوات 35 ليرة وقطع تبديل وصيانة 9 ليرات ونفقات تهيئة 6 ليرات وقيمة نشارة الخشب 15 ليرة ونفقات نثرية 11,25 ونفوق وإصابات طارئة 75,5 ليرة وبذلك يكون إجمالي كلفة الفروج زنة 1,8 كغ 1586,75 ليرة، وعليه فإن وسطي تكلفة الكيلو غرام الواحد 881,5 ليرة، وطبعاً هذا في أرض المداجن فكيف سيكون في محال بيع المفرق بعد إضافة النفقات المترتبة على ذلك؟
الموزع والبائع لهما وجعهما
ذكر عدد من موزعي الفروج وباعة المفرق أن التكلفة الحقيقية واليومية لتوزيع كل كيلو غرام واحد تقدر ما بين 30-40 ليرة، حيث يتطلب التوزيع دفع أجور سيارة نقل تصل إلى 24 ألف ليرة وأجور سائق وعمال تحميل وتنزيل بعدد 3 بقيمة 7 آلاف، ونقص طبيعي في الوزن من جراء التحميل والتنزيل والوفيات بكمية 15 كغ لكل طن واحد، علماً بأن السيارة الواحدة تحمل ما يقارب 60 قفصاً بوزن 1500 كغ في متوسط أيام الشهر الواحد وبذلك تكون التكلفة الحقيقية للموزع عن الحمل الواحد في اليوم (1500كغ ×30 سعر التكلفة) هي 45 ألف ليرة، وأي قرار من الجهات الوصائية يحدد تسعيرة أقل من 30 ليرة يعني خسارة الموزع، على حين أوضح عدد من باعة المفرق أن التكلفة الحقيقية لكل كيلو غرام واحد من الفروج ما بين 40-50 ليرة حيث يتطلب العمل في اليوم الواحد أكياس نايلون بقيمة 1200 ليرة ووقوداً للمولدة بـ800 ليرة وغازاً لتسخين الماء 600 ليرة وأجرة محل 400 وأجرة عامل 1500 ليرة وماء لغسيل الفروج واستخدامات المحل 400 وكهرباء 150 ليرة ونقص وزن طبيعي من جراء نقل الفروج 800 ليرة لكل 100 كغ فروج بإجمالي مصاريف 5850 ليرة ناتجة من أن مبيعات المحل الواحد تتجاوز كحد أقصى يومياً 125 كغ وبضربها بسعر التكلفة 47 ليرة يتبين إجمالي المصاريف المذكور آنفاً، وأي قرار لا يراعي تلك المصاريف فإنه سيعرض بائع المفرق إلى الخسارة، وبالطبع نحن مع الموزعين وباعة المفرق نطالب بأن تكون التسعيرات المحددة من الجهات الوصائية منصفة لهم وللمستهلك في آن معاً، شرط أن تكون ملزمة ولا يتم تجاوزها بدافع الجشع الذي يحدث لدى بعض باعة المفرق ممن لا يرضون بالربح القليل والمنطقي ويحددون هامش مصاريف وربح يصل إلى الضعف أحياناً.
ماذا عن اتحاد الفلاحين؟
لاتحاد فلاحي درعا رؤيته تجاه قطاع الدواجن حيث أوضح رئيسه مثقال القاسم أن لديه جمعية فلاحية وحيدة متخصصة في تربية الدواجن مقرها بلدة كفر شمس ومن خلال متابعتها لواقع عمل الدواجن يلاحظ أن هناك صعوبات عدة تقف أمامه تتمثل في ارتفاع تكاليف مستلزمات الإنتاج من أعلاف وأدوية ومحروقات ولقاحات وقلة المشرفين من الأطباء البيطريين وإضافة للأضرار الناتجة عن التعديات والأحداث الجارية فإن ذلك كان سبباً في خسارة المنتجين أموالاً كثيرة وخرج العديد من المداجن من الخدمة، وعلى سبيل المثال في كفر شمس وحدها لم تعد تعمل من أصل 300 مدجنة للفروج والبياض سوى 10 مداجن فقط 9 للفروج وواحدة للبياض، وإزاء ذلك فإنه لتشجيع المداجن العاملة على الاستمرار في الإنتاج ودفع المتوقفة للعودة إلى العمل ينبغي تقديم قروض ميسرة لدعم المربين برأسمال يساعدهم على الإقلاع في العمل والاستمرار في الإنتاج، وكذلك تأمين المقنن العلفي من الذرة والصويا، عبر فرع المؤسسة العامة للأعلاف بالأسعار المدعومة التي تقل بنحو النصف عن سعرها في السوق الخاص تقريباً، وتزويد المداجن بكميات المازوت الكافية للعمل بالأسعار النظامية بعيداً عن السوق السوداء، والتعويض على المربين في حال تضرر الأفواج من الفروج والبياض بفعل الأمراض أو الطقس أو التعديات والأحداث ونفوق أعداد منها، وكل ذلك إضافة لإسهامه في الحفاظ على المنتجين القائمين على رأس عملهم سيسهم في خفض قيمة الإنتاج من فروج وبيض بما يخفف العبء عن كاهل المستهلك.
يلفظ أنفاسه الأخيرة
عضو لجنة مربي الدواجن ورابطة الأطباء البيطريين في سورية، وأحد المربين النشطين في محافظة درعا الدكتور وهيب المقداد ذكر أن قطاع الدواجن يُعد من القطاعات الحيوية في سورية، وكانت توظف فيه رؤوس أموال كبيرة ويعمل فيه ما نسبته 17% من السكان يتوزعون ما بين أطباء بيطريين ومهندسين زراعيين وشركات نقل ومنافذ بيع وعمال مداجن ومربين، وإلى وقت قريب كان يتحقق الاكتفاء الذاتي من منتجاته ويتوافر فائض للتصدير إلى الدول المجاورة، أضف إلى ذلك أن الإنتاج السوري من الفروج والبيض بجودة عالية لأنه يعتمد على التغذية النباتية بنسبة 100%، وبيّن أن هذا القطاع بالكامل تقريباً يقع على عاتق القطاع الخاص ولا يُحمل الدولة أي أعباء، لكنه مع الارتفاع الكبير لأسعار المواد العلفية والوقود ومواد التدفئة من فحم كوك ومازوت ارتفعت تكاليف إنتاجه بشكل كبير جداً، إضافة إلى أن انتشار الأمراض والأوبئة العابرة للحدود، أثر في الإنتاج، كما أن عدداً كبيراً من المداجن توقف عن العمل ما يرتب انعكاسات سلبية كبيرة على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي وانتشار البطالة، وفي حال استمر الوضع على هذه الحال سنضطر لاستيراد البيض والفروج مع الأسف.. وشدد المقداد على أن قطاع الدواجن يدق ناقوس الخطر ويلفظ أنفاسه الأخيرة، ولا بد لإنقاذه من مساعدة الحكومة عبر الإعفاء من الرسوم المترتبة على الأعلاف وإلغاء حصرية استيرادها وإفساح المجال لمن يرغب بالاستيراد وتمديد المرسوم القاضي بإعفاء منشآت الدواجن والأعلاف من ضريبة الدخل، والسماح لمؤسسة الأعلاف باستيراد مادتي الذرة والصويا وتسليمها للمربين بأسعار مقبولة، وتقديم قروض ميسرة للمربين وحتى من دون أي فائدة، وتسعير كل منتجات الدواجن بشكل منصف للمنتج والمستهلك في آن معاً، ووضع آلية مناسبة لحماية القطاع من الأوبئة والأمراض عبر تأمين اللقاحات والأدوية اللازمة بالتنسيق مع دوائر الصحة الحيوانية، وتأمين محروقات للمزارع والمداجن، ومنع تهريب الفروج والبيض من الدول المجاورة لما يحمله من أمراض للمستهلك ولقطعان الفروج والبياض، وبشكل عام العمل على تقديم كل التسهيلات اللازمة ومن مختلف الجهات ذات العلاقة لاستمرار هذا القطاع الذي تضرر بنسبة تفوق 70% نتيجة الأوضاع السائدة في بلدنا، ولا بد من عدم إغفال دور مؤسسة الخزن والتسويق عبر ضرورة قيامها بتخزين كميات من الفروج عند نزول أسعاره لطرحها في الأسواق عند قلة العرض وارتفاع السعر بما يحقق التوازن والاستقرار في الأسواق ويوفر المادة للمستهلك بأسعار معقولة.
جهة منظمة ومعالجة
بدوره الدكتور إياد السويدان نقيب الأطباء البيطريين في درعا أوضح أن النقابة هي جهة منظمة لعملية الإشراف على مزارع إنتاج الفروج والبيض، حيث يتم تنظيم عقد للإشراف بين المربي والطبيب البيطري، وبموجب ذلك يكون من مهمة الطبيب متابعة أفواج الفروج والبياض لجهة الوقوف على صحة القطيع والتدخل عند الحاجة لمعالجة الأمراض والإشراف على برنامج التحصينات الوقائية، بما ينعكس إيجاباً على وصول الإنتاج إلى المستهلك، من لحوم وبيض، سليم وآمن على صحته، علماً أنه من خلال المتابعة لا توجد أي جوائح أو أوبئة في قطيع الدواجن في المحافظة، والأطباء البيطريون موجودون في مختلف مواقع الإنتاج، لكن المشكلة، ولاسيما في المناطق الساخنة، تتمثل في عزوف المربين عن التعاقد مع المشرفين، وبشكل عام فإنه حتى عام 2012 كانت معظم المداجن مشمولة بالإشراف، وبعد ذلك العام وحتى تاريخه بدأ الإشراف يغيب إلى حد شبه كامل عن معظم الدواجن.. ولفت السويدان إلى أنه ضمن الظروف الراهنة خرج الكثير من المزارع من الإنتاج بسبب عدم استقرار الأسعار والغلاء الحاصل في مستلزمات الإنتاج، وخاصة الأعلاف لكونها تشكل حوالي 70-80% من تكلفة الإنتاج، واقترح تفعيل صندوق دعم الإنتاج الزراعي ولاسيما لجهة الدواجن والتعويض على أصحاب المزارع المتضررة وتوفير الأعلاف بأسعار مقبولة، وضبط أسعار الأدوية واللقاحات وفك ارتباطها بسعر صرف الدولار أسوة بالدواء البشري محدد التسعيرة.
خطة إنقاذ
تبين مؤشرات مديرية زراعة درعا أن إجمالي مزارع تربية وتسمين الفروج المرخصة في المحافظة قبل الحرب الإرهابية تبلغ 735 مزرعة، ومزارع تربية الدجاج البياض 122 مزرعة ومزارع تربية أمات الفروج 14، وقد تراجعت أعداد هذه المزارع خلال سني الأزمة بشكل حاد، ولم يعد عاملاً منها سوى ما نسبته 20-25% تقريباً، وأمام هذا الواقع لا بد من الحفاظ على المزارع المتبقية في الإنتاج، والتحفيز على عودة إقلاع عدد آخر من المتوقف منها عبر الأخذ بالمقترحات التي تم الإجماع عليها من قبل الجهات التي تم ذكرها على لسان من تحدثنا إليهم في تحقيقنا هذا، ضمن خطة إنقاذ مدروسة ودقيقة