مركز «الإراءة» في السويداء يفتقد أقل مواصفاته

2016-07-10 14:00:19
فريحات: نحتاج إلى كوادر متخصصة في الإرشاد النفسي ومستلزمات العمل


هنا يتم (الاستلام والتسليم) هذا ما ردده موظفو مركز (اللقاء الأسري) المعروف بمركز الإراءة الذي يفتقد دفء الأسرة وحنان العائلة، كل ما تشعر به بين جدران المركز قسوة المشاعر وبرودة اللقاء، حتى الأطفال المتشوقون لرؤية أحد الوالدين يتحول اشتياقهم فقط للحصول على الهدايا،

واقع أليم يعيشه كل من الأبوين والأطفال وحتى العاملون في هذا المركز... وهنا تبدأ الحكاية....
ساعات اللقاء القليلة لم تكن كافية لتقرب من كان غائباً أسبوعاً كاملاً، فالحب والعاطفة من قبل الوالدين كالهواء بالنسبة للأطفال الذين (ضرسوا) بعدما أكل آباؤهم (الحصرم).. فأطفالنا دائماً هم الضحية.. فقد كتبت الأقدار على هذا الطفل أن يعيش تحت رعاية أحد أبويه ليرى الطرف الثاني بحكم محكمة في مكان يُدعى مركز اللقاء الأسري أو كما هو متعارف عليه بين العوام (الإراءة).
مركز الإراءة: لقاء أسري لا إنساني وهو من الحقوق الدورية الهادفة إلى استمرار التواصل والتعاطف بين أحد الوالدين والطفل الذي يكون في حضانة الآخر.. ومن هنا تكون الإراءة متممة لحق الحضانة، فعندما تكون الحضانة للأب، فللأم حق رؤية الأطفال المحضونين في مركز اللقاء الأسري المخصص لهذا الغرض.

عينات وشهادات..

ذاك المكان الذي يفتقد الظروف والمتطلبات الإنسانية التي يجب أن يلتقي فيها أفراد الأسرة.. عندما تدخل إليه تصاب بالذهول، صراخ الأطفال ببكاء وغصات شوق وحنين وأسى، في عيون الأطفال وقلوبهم المشطورة بين الأب والأم اللذين تطلقا لتبقى حضانة الأطفال رهن الظروف والأحكام القضائية فحالات الإراءة والمشاهدات تدفعك للتعاطف والحسرة على أطفال يدفعون ثمن أخطاء آبائهم.
(بلقيس) الطفلة ذات الثلاث سنوات لا تحمل ذكرى من والدها الطبيب الذي فضّل عدم ذكر اسمه سوى علبة ألوان هدية منه لعلَّ هذه الأقلام تلون واقعها الحالي الأليم إلى مستقبل خالٍ من العقد والذكريات الأليمة، وفي زاوية أخرى من الغرفة نجد أنات الطفلة (سيرين) ملأت غرف المركز ترفض المكوث مع والدها أكثر من ربع ساعة رغم حقه في رؤيتها ساعتين كاملتين، فحضن والدتها الدافئ عوضها حتى عن قطع الحلوى التي يحضرها والدها لها، وفي الغرفة المجاورة ترى أم رامي وراما تغمر أطفالها وكأن أحداً يريد خطفهما منها، فقد أجبرها أهلها على أن تتخلى عن حضانة أطفالها لزوجها لعدم قدرتهم على إعالتهما.
في غرفة أخرى تكاد تضيق بمن فيها نجد الطفلين تمام وآدام وقد ملأتهما الحيرة بين جدين يسعيان لتشويه سمعة كنتهم الجالسة في غرفة مجاورة والتي يملأ قلبها الخوف من فكرة تهريب طفليها خارج البلد على حد قولها.
وفي مركز الإراءة نفسه وعلى مدى 6 شهور من محاولات موظفي المركز لإقناع (سمر) بلقاء والدها والجلوس معه، إلا أن محاولاتهم قوبلت بالرفض الشديد وذلك بعد اكتشاف المسؤولين أن سمر تتعرض للتحرش الجنسي من قبل الأب.

شعور بالانكسار..

في مركز الإراءة تنظر إلى الأطفال تلاحظ  شعورهم بالانكسار والضياع ولاسيما بين أبوين أحدهما قام بفعل الخيانة الزوجية، فالمراهقون هم أكثر عرضة للانكسار في عمر يفترض أن يكون لتكوين شخصية المستقبل، إلا أن أنانية أحد الوالدين جعلت من الطفل رجلاً مكسوراً قبل أوانه ليصل حال هذا المراهق أن يقف في وجه والده الخائن وتبدأ المشاجرات والمشادات الكلامية، فبحسب الاختصاصية الاجتماعية المشرفة على مركز إراءة السويداء- إيمان عبد الدين التي عرفتنا أكثر على مفهوم (الإراءة) ومركز اللقاء الأسري على أنه إمكانية رؤية الطفل حسب قرار القاضي للأب أو للأم داخل المركز أو خارجه وحسب عدد الساعات المقررة من قبل القاضي بوجود كادر المركز ككل من مشرفين وإدارة وقضاة... والتعاون بتنظيم المكان وإدارته بشكل ناجح.
يجلس الأطفال في غرفة المركز المعتمة، الضيقة، الباردة مع والدهم، والأم تنتظر في مكان آخر انتهاء مدة الإراءة لاسترجاع أطفالها، فالأولاد الأكبر سناً لم تعد تعني لهم الهدايا وقطع الحلوى من الأب، همهم الوحيد أن تمضي هذه المدة القصيرة من دون حصول مشاجرة أو مواجهة بين أبويهم، أما الأولاد الصغار منهم فلا تعنيهم زيارة الأب أو حتى الأم، فالهدية مهما كانت صغيرة تفرحهم وتنسيهم آلامهم وحتى احتياجهم للأهل، فوفقاً للاختصاصية الاجتماعية المشرفة على المركز عبد الدين التي تقوم بدورها بتهدئة الأهل المتوترين، حيث تعمل على تقريب وجهات النظر بين الأبوين، من خلال عدة جلسات للوصول بهم إلى بر الأمان والعودة عن قرارهم، ولكن للأسف وكما نرى يبقى الأطفال ككرة القدم بين الأبوين ونقطة الضعف التي يستغلونها، قائلة: تتضاعف حالات الطلاق يوماً بعد يوم، وغالباً يكون السبب اشتراك الزوجين في السكن مع الأهل والتدخل المستمر من قبلهم حتى بمصروف المنزل، أو تحليهما أي (الزوجين) ببعض الصفات السيئة مثل البخل والعصبية وسوء الظن .

مشاعر تخضع لدوام رسمي..

بعد وقوع الطلاق، وإذا لم يتوصل الأبوان إلى اتفاق فيما بينهما لحل مشكلة الإراءة (أين وكيف ومتى)، يلجأ الطرف طالب الإراءة إلى رفع شكوى للمحكمة لإلزام الطرف الآخر بها، وهنا يقرر القاضي وقت الإراءة ومدتها ومكان تنفيذها بما يتناسب ومصلحة الطفل، ويؤخذ في الحسبان إذا كان تلميذاً في المدرسة، أو كان رضيعاً أوطفلاً أو طفلة بما لا يتعارض مع ظروف الأبوين قدر الإمكان كما تقول عبد الدين: يبقى لقاء الأولاد بأمهاتهم وآبائهم محصوراً ضمن أوقات الدوام الرسمي وبإشراف الموظف المختص في الدائرة.. وفي إمكاننا تخيل الجرح النفسي الذي قد يصيب الطفل الذي يخضع مشاعره وعواطفه لأوقات دوام الدولة الرسمية.

تنفيذاً للحكم

قاضي التنفيذ في مركز الإراءة- جمال منذر تحدث عن دورهم كجهة منفذة قائلاً: تختصر صلاحية دائرة التنفيذ المدني في تنفيذ القرارات الصادرة عن القاضي الشرعي في منطقة عملها النهائية والولائية المتعلقة بالإراءة، ويكون القرار الصادر بهذا الشأن محدداً في مكان الإراءة وزمنها وبحسب عمر الطفل وصلة القرابة، حيث يتم اللجوء إلى تحديد مكان دائرة التنفيذ كمكان صالح للإراءة عند عدم اتفاق الأطراف على مكان آخر، كما أن تحديد موعد الإراءة من صلاحية دائرة التنفيذ بقرار يصدر عن رئيس التنفيذ بهذا الشأن ويتم تبليغه للأطراف بالطرق القانونية، في هذه الحالة تمارس دائرة التنفيذ أو الموظف المختص صلاحيته في تحديد موعد متفق عليه بين الأطراف المتخاصمين وعلى الأغلب تراعى فيه بالدرجة الأولى مصلحة الصغير من حيث العمر والدراسة. وعند اختلاف الأطراف أثناء تنفيذ القرار المطروح لدى دائرة التنفيذ المتعلق بإراءة الصغير يصار إلى رفعه إلى رئيس التنفيذ ليتم البت به وفق أحكام القوانين النافذة بهذا الشأن قابلاً للاستئناف.
وقال منذر عن واقع المركز: إنه مناسب جزئياً لكونه أصلاً مستأجراً حتى انتهاء العمل في بناء قصر العدل الجديد، فالمركز حالياً بحاجة إلى عدة خدمات مثل الألعاب والمساحات العشبية الواسعة، والبعد عن الارتفاع، إضافة إلى الحاجة الماسة لعامل تنظيف يومي في ظل عدم تعاون بعض الأهالي بالاهتمام بنظافة المركز، ولوجود نقص في الكادر الوظيفي حالياً.
وتحدث منذر عن القرار184 من قانون الأحوال الشخصية الذي يعطي الحق لغير الحاضن في رؤية ابنه وتختلف مدة الإراءة حسب عمر الطفل وحكم القاضي وهنا لابد من تنفيذ الحكم، فإذا كان عمر الطفل من يوم حتى عمر السنة تكون مدة الإراءة نصف ساعة في المركز حصراً، أما الطفل ذو السنتين فتكون مدة الإراءة ساعتين، وعمر الثلاث سنوات تكون المدة ثلاث ساعات، أما الطفل من عمر 4 سنوات وما فوق فيستطيع غير الحاضن أخذه 24 ساعة خارج المركز، حيث يتم الاستلام من المركز والإعادة خارجه وحصراً تكون يوم الخميس مراعاة لمصلحة الطفل الدراسية، كما أنه توجد حالات ترفض رفضاً قطعياً الذهاب مع الطرف الطالب للإراءة وذلك لأسباب عدة أهمها التعبئة الكلامية ضد الطرف الآخر.
وأوضح أن عدد أضابير الإراءة للعام الماضي 2015 بلغ 60 إضبارة بسبب كثرة حالات الطلاق و28 دعوى منذ بداية العام الحالي حتى تاريخه.

 حق المحضون

بعض الأطفال لا ينقصهم شيء يأتون مع حاضنيهم إلى الإراءة لكنهم يشعرون بالضياع، وكأنهم سلعة يجب أن تعرض على غير الحاضن وإلا فإن عقوبة «السجن» ستتم بحق الحاضن الذي يتخلف عن تنفيذ حكم المحكمة، وهنا يبين قاضي التنفيذ: بناء على قانون أصول المحاكمات الجديد يعاقب المخالف بالتنفيذ بالتدرج بالحبس، مبيناً أن هناك حالات كثيرة يتم إيقافها يوماً كاملاً وقد تصل مدة التوقيف بحق المخالف إلى عام، حيث ينظر القانون إلى الإراءة على أنها حق للمحضون، مؤكداً أن نسبة 70% من حقيقة الإراءة بين الزوجين نكاية وإغاظة للطرف الآخر وليست رؤية الأطفال الذين يعدون وسيلة لضغط الزوج على الزوجة أو العكس.

العناية النفسية

أطفال بعمر الزهور، يمتلكون طاقات كثيرة، إلا أنهم بحاجة ماسة لعناية نفسية واجتماعية وتعليمية كي يرمم هذا الجرح!! وبحسب هيام فريحات- مسؤولة مركز اللقاء الأسري فقد دعمت منظمة اليونيسف المركز في بادئ الأمر حيث قدمت له مجموعة من الألعاب والفرش وجهاز تكييف ولكن منذ ذلك اليوم لم ترَ أي نوع من التواصل من جهة المنظمة ولا من أي منظمة أخرى، فالمركز بحاجة لكادر متخصص من مرشدين نفسيين واجتماعيين وتعاون مع قبل الجمعيات  المحلية حتى نحافظ على حقوق الأطفال المهدورة من الوالدين.
بدورها ابتسام عبود- مساعد أول ومسؤول أمني في مركز اللقاء الأسري قالت: في حال حصول مناوشات كلامية أو مهاترات بين الوالدين أو الأهل تتدخل الشرطة لفك الخلاف، أما في حالات الاعتداء والضرب بالأيدي فيتم اللجوء للقاضي المسؤول وأخذ القرار المناسب بحق المعتدي، وهي حالات قليلة الحصول إلا أنها تحصل وعلى مرأى من الأطفال، ما ينعكس سلباً على نفسيتهم.

من واقع المحكمة

من يدخل المحكمة يفاجأ بالازدحام الحاصل أمام مدخلها، فأسباب الطلاق كثيرة والحالات تتشابه لكن لا تنطبق حالة على أخرى، وأهم أسباب الطلاق عدم التكافؤ بين الزوجين من حيث السن والشهادة العلمية والبيئة الاجتماعية. تدخل أهل الزوجين، الاستقلالية في الزواج، الفقر، الحالة الاقتصادية للأسرة، السفر ولاسيما سفر الزوج، الخيانة الزوجية، عدم الإنجاب، انعدام الأخلاق، والأهم من كل ذلك وسائل التواصل الاجتماعي مثل الواتس آب، والفيس بوك وغيرها، فكل ما يؤثر سلباً في المجتمع ينعكس سلباً على الأسرة وخاصة الأطفال الذين تضيع حقوقهم في ظل بحث الأزواج عن حقوقهم وترك واجباتهم تجاه أولادهم.
القاضي سميح السبع ذكر لنا أنه نفذت لدى المحكمة في العام 2014 حوالي 425 حالة طلاق، أما في العام المنصرم 2015 فقد نفذت المحكمة 422 حالة طلاق، ومنذ بداية العام 2016 وحتى تاريخه تم تنفيذ 43 حالة طلاق و37 حالة تفريق، أي ما يساوي 80 وثيقة طلاق ما عدا الأحكام القضائية.

مطالب بدعم المركز

مسؤولة مركز الإراءة  فريحات رأت أن من واجبها المطالبة بحقوق المركز المهدورة، فالمركز بحاجة إلى دعم من قبل وزارة العدل والمنظمات الإنسانية من كل النواحي، وإيجاد مركز أكثر اتساعاً يحتوي على الوسائل المسلية للأطفال، وتأمين إنارة بسبب الانقطاع المتكرر للكهرباء، وتأمين التدفئة ومخصصات المركز من المحروقات، كما طالبت بتأمين موظف مختص بنظافة المركز ولاسيما بعد انتهاء مواعيد الإراءة لأن المكان يصبح بحالة مزرية في ظل عدم تعاون الأهل.

باهتمام  وزارة العدل


تهم للخروج من ذلك المركز وأنت قلق وحذر من نشوب اشتباك أو شجار بين الأزواج، وقلبك يعتصر ألماً على هؤلاء الأطفال الضائعين المنكسرين بسبب مشكلات لا تخصهم، رغم وجود عناصر الشرطة، فقصر العدل الجديد لم ينته بعد، ما يؤخر نقل مركز اللقاء الأسري إليه قبل انتهاء العمل به لأنه مخصص بطابق كامل في ذلك القصر، ولاسيما أن المركز الحالي هو بناء مستأجر قديم، طابق ثالث، يقع في مكان مزدحم وسط المدينة ما يشكل خطراً على الأطفال، علماً أن أصحاب الشأن يطالبون بذلك ومنذ زمن بعيد.. إذاً، سؤال نضعه باهتمام  وزارة العدل:

تشرين

#شارك