ها هي ورقة تنظيم "داعش" الدموية التي رعتها وغذتها الاستخبارات الأميركية بمعيّة نظيراتها البريطانية و"الإسرائيلية" تتهاوى أمام أعينها في سورية والعراق، ليُطرح السؤال: هل ستقف أميركا وغُرفها السوداء مكتوفة الأيدي إزاء انهيار أداتها "الأمثل" في تدمير دول المنطقة، لضمان أمن "إسرائيل"؟ وهل ستسلّم بانتصار محور المقاومة؟ بالطبع لا.. وجب الحذر الآن لما تُعدّه تلك الغرف لما بعد انهيار "داعش"، والذي بانت مؤشراته عبر المسارعة الأميركية إلى تبنّي تحرير تلعفر، لاسيما أن تقارير صحافية أجمعت على أن مجموعات فارة من الموصل يتلقّفها ضباط أميركيون لإعادة تنظيمها تحت مسمّى آخر، مدرجة رسوّ 7 طائرات أميركية في منطقة الحويجة العراقية - التي مازالت تحت سيطرة التنظيم - لساعات قبيل أيام من تحرير الموصل. كما نبّهت من محاولات نقل أعداد "داعشية" أُخرى إلى الحدود الشرقية اللبنانية - السورية، محذّرة من حراك أميركي مشبوه داخل الساحة اللبنانية.
وفيما تشير تقديرات عسكرية لبنانية إلى أن قيادة الجيش اللبناني حدّدت ساعة صفر للبدء بمعركة تحرير عرسال وجرودها، بعدما أفضى التنسيق مع أمن المقاومة إلى الإطباق على غالبية الخلايا "الداعشية" ورؤوسها عبر عمليات نوعية استباقية، رجّح مركز "فيريل" الألماني للدراسات، انتشار أكثر من 400 جندي وضابط ومستشار عسكري أميركي في بعض المطارات العسكرية اللبنانية، منها مطار رياق، تحت حجة "دعم الجيش اللبناني"، ويسأل: ماذا يؤشّر هذا الحراك في لبنان، والذي بدأ منذ نيسان الماضي؟ وضد مَن؟ سيما أنه يتزامن مع ورود معلومات صحافية عبرية كشفت عن اجتماعات أمنية سعودية - "إسرائيلية" مكثّفة، تقاطعت مع أخرى فرنسية وبلغارية، رجّحت أنها تحضير لضربة "إسرائيلية" كانت مزمَعَة ضد حزب الله قبل نهاية الصيف، إلا أن "حدثاً أمنياً" في تل أبيب خرق ليل 3 تموز الفائت، فرمل الجموح "الإسرائيلي"، وبعثر مخطط الضربة.
وربطاً بالأمر، رجّحت شخصية عسكرية بلغارية - كانت ساعدت في الكشف عن بواخر أسلحة أميركية عبرت من موانئ بلادها لتصل إلى المسلحين المتطرفين في سورية - أن تتوج مفاجأتان مدوّيتان ردّ حزب الله على أي عدوان "إسرائيلي" محتمَل، في وقت لم يستبعد موقع "انتيليجانس أونلاين" الفرنسي، نقلاً عن ضابط سابق في الاستخبارات الفرنسية - أن يخرق الحرب المقبلة بين الجانبين ظهور مقاتلي الحزب في أحد أهم المواقع أو المطارات العسكرية في "إسرائيل"، بعدما استطاع تسجيل خرق أمني هام في جدار منظومة استخباراتها منذ 10 أيام، هزّ مطار بن غوريون وأروقة تل أبيب أكثر من 3 ساعات، وأجبر سلاح الجو ووزارة الأمن "الإسرائيليين" سريعاً إلى توجيه أمر طارئ "بإغلاق المجال الجوي"، وأحاطت الرقابة "الإسرائيلية" ما اكتفت بتسميته "حدثاً أمنياً" بكتمان إعلامي مطبق، حظرت من خلاله نشر أي تفاصيل عنه.
لم تقف الرسالة باتجاه "إسرائيل" عند هذا الحد، ففي اليوم التالي مباشرة جاءتها الرسالة الثانية على متن الدفاعات الجوية السورية التي أسقطت طائرة "إسرائيلية" من دون طيار في القنيطرة. الأمر ليس الأول من نوعه، إنما مثّل حدثاً عسكرياً غير معهود؛ لجهة مبادرة تلك الدفاعات إلى اصطيادها فور اختراقها للأجواء السورية.. فهمت تل أبيب رسالة دمشق التي تحمل أيضاً بصمات روسية، فإسقاط أي طائرة "إسرائيلية" لم يعد أمراً مربكاً لسورية لا تستطيع تحقيقه، بعدما عززت موسكو دفاعاتها الجوية عقب الضربة الأميركية لمطار الشعيرات، وأردفتها بمدافع إلكترونية بميزة التشويش على أي طائرة معادية، مما يسهل إسقاطها.
سريعاً بدأ الضغط "الإسرائيلي" على موسكو وواشنطن لإرساء وقف لإطلاق النار في الجنوب السوري، وتم هذا الاتفاق إثر لقاء بوتين - ترامب في قمة العشرين، بدفع من الأخير، مقابل تحذير روسي من أي تدخُّل أميركي في معارك الجيش السوري وحلفائه، في الشرق السوري تحديداً، وإلا فإن هذا الاتفاق سيذهب فوراً أدراج الرياح، لتبدأ حملة عسكرية كبيرة للجيش السوري وحلفائه الإيرانيين ومقاتلي حزب الله، ستكون "مقلقة جداً" لـ"إسرائيل"، حسبما لفت مصدر صحافي مقرَّب من الكرملين، وصف الاتفاق بـ"ضربة معلم" لصالح دمشق وحلفائها، وليس كما تشيع واشنطن وتل ابيب أنه إنجاز لكلا الطرفين لحفظ ماء الوجه، إذ منذ لحظة دخول هذا الاتفاق حيّز التنفيذ، سيركّز الجيش السوري وحلفاؤه على عمليات المرحلة الثانية من "معركة الفجر الكبرى"، التي ستزداد وتيرتها بشكل غير مسبوق، لتشكّل مفاجآت على أبواب السخنة والبوكمال، وفق إشارة المصدر.
وعليه، باتت دمشق وحلفاؤها في الموقع الأقوى على الإطلاق منذ اندلاع المخطط المعادي لتفتيت المنطقة تحت مسمى "الربيع العربي"، متجاوزة كل الخطوط الحمر "الإسرائيلية" والأميركية، وبات على "إسرائيل" تحديداً أن تقلق من الآن وصاعداً.. مصدر صحافي روسي توقّع أن تعجّ الشهور المتبقية من العام الحالي بإنجازات "استراتيجية" في سورية، قد يتوَّج أحدها باتجاه تل أبيب، ويكون خارج توقّع كل التقديرات العسكرية.
المقال يعبر عن رأي الكاتب
الثبات