"الأصل" رواية دان براون.. جدلية البدء التي لا تنتهي

2018-02-19 13:08:05

"دان براون" كاتب الأحاجي والشيفرات صاحب المنزلقات الخطرة والوعرة، الفنان الذي لم يرسم اللوحة لكن

قلمه يتحول إلى ريشة ترسم لك أشهر اللوحات الفنية ينقلها بفراغاتها وسمتها وأبعادها بألوانها بأدق تفاصيلها..

بكلمات تدفعك لمحرك البحث (googl) لتبحث عن اللوحة وتتأكد من صدق ما ينقله لك الكاتب...

"دان براون قلة من الكتاب الذين يجبرونك على حمل قلم الرصاص لتضع سهما هنا وإشارة هناك... وتدون

معلومة تذهب لمجلد ما أو كتاب تستطيع من خلاله الإبحار أكثر فيما كتب لك من مقتطفات ورؤوس أقلام... وهو

قلة من أولئك الذي يوظفون كل المعرفة بمختلف مستوياتها الأدبية والعلمية والفنية في رواياته فينقل لك العالم

ويعرفك على ما لم تعرف ويزيدك شغفا لإتمام الرواية دونما أن تتجرأ على تقطيع صفحة أو ترك فصل... فكلها

كحبات العقد متواصلة إذا ما سقطت حبة تداعت أحداث الرواية ولايمكنك فهم مجرياتها.

في روايته "الأصل"، يختار الكاتب أخطر المواضيع حيث يجتاز ذاك الخيط الدقيق الفاصل بين العلم والدين، في

سؤال الأبدية من نحن وأين نمضي؟!
هذا السؤال الذي تتحاشى البشرية الإجابة عنه.. فالأجابة عليه غالبا ما تنتهي بالصدام والحروب الدامية منذ البدء

... ويقدم الكاتب بلوحة فنية رائعة كيف أقدم بطل روايته "ادموند كيرش" على محاولة الإجابة التي

تصدى لها الدين منذ بدء الخليقة عن طريق معتقدات مثيولوجية عجت من خلالها دروب السماء بالآلهة التي

تتصارع فيما بينها كمخترع بشري لحل رموز الطبيعة والإجابة على السؤال الأبدي من نحن والى أين

نمضي...(ملأت أعداد من الآلهة أعداداً لا حصر لها من الثغرات"... وبقيت النفسيرات المثيولوجية هي السائدة إلى أن بدأت طلائع البحث العلمي تتقدم..

وفي خفة متناهية يقدم "كيرش" بطل الرواية توصيفا مذهلا للتقدم العلمي منذ بدأ في مدينة عربية كانت فاتحة البحوث العلمية فيها.. فكانت بغداد حاضرة العلم والمعرفة وينقل منها مجموعة من الرموز الرياضية والكيميائية وأسماء علماء برعوا في مختلف المجالات العلمية إلى أن حلت لحظة الصدام مع المعتقدات الدينية.. التي ارخت بظلالها على التقدم العلمي الذي وجد له مركزا بديلا في بداية النهضة الأوروبية حيث انتهت المعركة هناك لصالح العلم والتقدم العلمي وانتهاء سيطرة الكنيسة..

لكن الصراع لازال ماضياً وحاداً بين العلم وسلطة الأديان مسيحية كانت أو إسلامية أو يهودية... ففي لحظة حاسمة اختارها الكاتب ليعلن بطل روايته إجابته العلمية على السؤال الأبدي تنطلق رصاصة غير معروفة المصدر لتأجج الصراع من جديد وتلون صفحات الرواية بلون أحمر أسكت عالم التكنولوجيا "كيرش" الذي كان على وشك البوح بأخطر معلومة قد تقلب مفاهيم العالم برمته...

الأصل رواية تسحق القراءة وتستحق منا الوقوف مليا عند مفرداتها معلوماتها... وطريقة الكاتب الشيقة في سرد الحدث حتى ليجعلك تحبس الأنفاس بانتظار التالي...

هدى مطر

#شارك