11603 H 27500
دراسة تبين أهمية الدور الذي لعبه السوريون في التأسيس لصحافة ليست سورية فقط وإنما عربية، وعندما نقول في لهجتنا المحكية شيوخ الكار نقصد هنا كل من أسس لمهنة معينة وأصبح له باع طويل فيها.. فكيف إذا قلنا شيوخ الصحافة.. الكثير منا يجهل حقاً تاريخ السوريين وإنجازاتهم في مهنة المتاعب ونجهل حقيقةً أنهم أسسوا لصحافة عربية مهمة وليست فقط سورية متنقلين في أرجاء الوطن العربي والعالم حاملين على كاهلهم هموم إيصال رسالة وتأسيس كلمة صادقة وقريبة من كل مواطن، اليوم «الوطن» تفتح لنا أبواباً عديدة للوعي وللمعرفة بقدرة السوريون وبما وصلوا إليه وما أسسوا له من الزمن المنصرم إلى يومنا هذا، فلا نستطيع إلا أن نكون فخورين بهم وإلا أن يكونوا بوصلة لنا نهتدي بها عندما نضل الطريق، ومنهم: لويس صابوني، فائز سلامة، سامي الشمعة، إدوارد نقولا مرقص، نجيب الريس، إسكندر الرياشي، حبيب كحالة، سعيد فريحة، صبري القباني، عزة حصرية، سليم اللوزي، عباس الحامض، محمد بسيم مراد، نديمة المنقاري، نشأت التغلبي، محمد كامل البني، عبد الغني العطري، أحمد العسه، ياسر عبد ربه.
صدر عن جريدة «الوطن» كتاب بعنوان «شوام شيوخ الصحافة» وهو عمل توثيقي لكاتبه شمس الدين العجلاني الذي يضاف إلى سلسلة كتبه التي حفظت الكثير من التاريخ الأدبي والإعلامي لسورية، و«الوطن» إذ تتبنى هذا الكتاب، فلأهميته، ولمكانة مؤلفه العجلاني الذي يعد واحداً من كتاب «الوطن» الدائمين، وكانت أغلب هذه الدراسات قد وجدت طريقها على صفحات «الوطن»، إضافة إلى الهدف الذي تسعى له الجريدة في التوثيق للإعلاميين وللأجيال الجديدة، لتعرف تلك الخطوات التي أسست للإعلام في سورية وفي أرجاء الوطن العربي.
الباع السوري في الصحافة
ومما جاء في مقدمة «الوطن»: خاصية هذا الكتاب بأنه يقدم الإسهام السوري بمعناه الواسع في عالم الصحافة، وقد أطلق التسمية الكبرى (الشام) على هؤلاء الأعلام، لكون هذه النسبة أكثر استخداماً، وخاصة خارج سورية، فما من دارس تناول هذه المسائل إلا وأشار إلى الشوام والمدرسة الشامية.
اختار العجلاني عشرين شخصية إعلامية تغطي الأطياف السورية من رجل وامرأة، ومن الشرائع المتعددة، ومن المناطق المختلفة، مستعرضاً مسيرة كل علم من هؤلاء الأعلام بما يعزز دوره ومكانته، ويشرح جهوده، مشيراً إلى أن هؤلاء أثبتوا الباع السوري في الصحافة والإعلام، ويكاد الجيل الجديد لا يعرف عنهم شيئاً، بل قد يكون الكثيرون ممن يؤمنون بغياب الإعلام السوري! ومن هنا تأتي أهمية الكتاب الذي يوثق للدور السوري والشامي في الصحافة، والذي يظهر مقدار الصعوبات والتضحيات من أجل كلمة حرة، وتعبير يخدم الوطن.
شيخ صحفيي الإعلام الحربي
وخص العجلاني في مقدمة الكتاب الإهداء إلى روح ابنه الشهيد الصحفي ثائر العجلاني حيث قال: لعطر الوردة الدمشقية، وزهر الياسمين، لعاشق الشام وابنها البار، للقلم المقاوم، والكاميرا التي رصدت الحقيقة.. ثم قال: «هذا فجر الشام العظيم، أحب الأوقات لتكون أرواح من رحلوا معنا.. حدثوهم يا سادة أننا مستمرون في البقاء ببأس وتعاظم لتحيا هذه البلاد.. وإن رحلنا فرددوا لنا الكلام نفسه تحيا بلادنا.. تحيا»… لولدي البكر الشهيد الإعلامي ثائر العجلاني.. شيخ صحفيي الإعلام الحربي.
شيوخ للصحافة
واستهل العجلاني الكتاب في كلمة قال فيها: «من شيخ الصحافة في زماننا هذا؟ قيل إن آخر شيخ للصحافة السورية كان جبران كورية الذي انتقل إلى رحمته تعالى يوم 31 آب عام 2008 (وهو من مواليد دمشق يوم 31 آب عام 1929م) ترى ألم تشهد الساحة الإعلامية السورية أستاذاً ومعلماً في الصحافة؟ يحق أن نلقبه بشيخ الصحافة.
يوماً ما قال أحد الشعراء وصدق: (تعال يا ذاك الزمان بخيرك، ولكل عصر دولة ورجال) ونحن في ذاك الزمان كان لدينا شيوخ للصحافة من رشدي كيندر، إلى نصوح بابيل، وعباس الحامض، ونجيب الريس، وحبيب كحالة، وعزة حصرية، وبشير العوف.. والآن ماذا لدينا؟
شوام في مصر
وتحت هذا العنوان الذي أراده العجلاني ليسلط الضوء على الدور الذي لعبه السوريون في التأسيس لصحافة مصرية عريقة يقول: «في ذلك الزمن البعيد خرج أهل الشام لمصر ليؤسسوا دور الصحف ويحدثوا الطباعة والنشر، ويضعوا الأسس العلمية لصحافة عربية مصرية، وظهرت أول صحيفة عربية في الإسكندرية على يد الشامي سليم حموي الذي أنشأ مطبعة تجارية، وأصدر صحيفته الكوكب الشرقي» في آب عام 1876م حتى 1897م أصدر الشوام بمصر نحو 7 صحف عربية هي: الأهرام، صدى الأهرام، انتقال مصر، التجارة، الإسكندرية، مصر الفتاة، الوقت.
لعب الشوام دوراً طليعياً في تحديث المجتمع المصري وعصرنته والانفتاح على الغرب الأوروبي، وكانوا جزءاً من الطبقة المثقفة والمتعلمة، استقر هؤلاء الشوام المفكرون والمثقفون في القاهرة والإسكندرية وبرز منهم بشارة وسليم وتقلا مؤسسا جريدة الأهرام، وجورجي زيدان وخليل مطران وفرح أنطون، والمسرحي جورج أبيض والسينمائي يوسف شاهين.
صعلوك لبناني سوري
فائز سلامة هو الشاعر والصحفي والأديب والسياسي، الذي تصدى للفساد في المجتمع العربي السوري وهجا رؤساء الجمهورية والمستعمر الفرنسي، وكان هجاؤه لاذعاً وقاسياً وجارحاً، ولم يهادن أحداً من الفاسدين على الرغم من شظف العيش وقسوة الحياة والأيام عليه.
آخر الصعاليك: قبل مئات السنين انتهى عصر الصعاليك، الذي التصق بفئة من الشعراء الفطاحل، هذه الظاهرة الغريبة والطريفة والمهمة في حياتنا الأدبية والاجتماعية.
والصعاليك اسم يطلق على جماعة من العرب في عصر ما قبل الإسلام، عاشوا وأطلقوا حركتهم في الجزيرة العربية ويعودون لقبائل مختلفة، كانوا لا يعترفون بسلطة القبيلة وواجباتها، فطردوا من قبائلهم، ومعظم أفراد هذه الجماعة من الشعراء المجيدين وقصائدهم تعد من عيون الشعر العربي، وبالرجوع لمعجم لسان العرب نقرأ: الصعلوك هو «الفقير الذي لا مال له».
الصعلوك سلامة: في البدء نقول إن سلامة كان يعتز بأنه ينتمي إلى فئة الشعراء الصعاليك:
نحن الصعاليك ما خارت عزائمنا.. من سيف جنكيز أو من رمح جساس لم يهادن، لم يسكت عن الغلط، عن الفساد عن التواطؤ مع المحتل الفرنسي، لم يسكت عن مواجهة الاستبداد والفساد، لم يسكت أمام باطل، ولم يهادن في الحق، اتخذ من الشعر والصحافة موقعه الذي جعله يمارس من خلاله نضاله لبناء وطن الحب والعشق.. هكذا كان فائز سلامة قلمه وجعبته وحلمه وحياته الشعر والقلم، لذا كان سيفاً حاداً في وجه كل من اعتقد أنه يسير خارج حدود الوطن رغم أنه ضاقت به سبل العيش:
لعل عمري كله رمضان
رمضان عند الناس شهر واحد
ما صمت لو ظفرت يدي بغداء
أحسبت يا رمضان صمتك طائعا
عبقري الصحافة السورية
هو حبيب بن جرجي كحالة صحفي وأديب وسياسي سوري ساخر، ولد في دمشق عام 1898، وتوفي فيها عام 1965م، تلقى علومه في دمشق وبيروت وتخرج في الجامعة الأميركية نهاية الحرب العالمية الأولى، وعاد إلى دمشق ليمارس العمل الصحفي، وأسس جريدة «سورية الجديدة» مع توفيق اليازجي، وصدر العدد الأول منها في دمشق 27/ 12/1918.
على أن شهرته جاءت بعد أن أصدر إلى جانبها مجلة المصور التي احتجبت بعد عدة أشهر من إصدارها، وأصدر أيضاً لمدة قصيرة جريدة دمشق في 13/4/1947، وإلى جانب عمله الصحفي مارس السياسة، وفاز كنائب عن دمشق عام 1947م، وقد استمرت المضحك المبكي في الصدور نحو 37 عاماً.
كان كحالة على علاقة طيبة مع الزعيم السوري فارس الخوري، وشاءت الظروف أن يتزوج ابن فارس الخوري «سهيل الخوري» أخت حبيب كحالة، وعبر هذه الصلات ازدادت علاقات كجالة مع أغلب السياسيين، فكان يؤنبهم وينتقدهم ويرسم صورهم كاريكاتيرياً على صفحات «المضحك المبكي» وفي المساء يلتقي معهم في السهرة في «نادي الشرق».
حبيب كحالة الاسم العلم في عالم الصحافة، الذي استطاع إصدار مجلة أسبوعية سورية ناقدة، اتخذت من الكوميديا السياسية أسلوباً لتوضيح وتصحيح ما كان يعتقده «كحالة» والشارع السوري صحيحاً على الساحة السورية في عهد الاستعمار الفرنسي، اعتقل كحالة عدة مرات في عهد الاستعمار، وكان لا يبيت إلا ليلة أو ليلتين، ثم يأمر القاضي بإطلاق سراحه، كان «كحالة» ظاهرة صحفية، سياسية، ساخرة، لم يشهد لها مثيل على الساحة العربية، وكم افتقدناها في زماننا هذا.
مجلة المرأة
نديمة المنقاري هي السيدة السورية الحلبية بامتياز التي قضت حياتها بالعطاء الإنساني والوطني، وكانت المربية الكبيرة لجيل طويل عريض من أبناء الوطن.
خطت نديمة اسمها على صفحات تاريخ صفحاتنا حين أصدرت مجلة شهرية للثقافة والأدب والفن تضاهي آنذاك والآن أهم المجلات التي تختص في شؤون المرأة، أو شؤون الثقافة والفن.
نديمة المنقاري هي الصحفية والمربية والمناضلة ضد المحتل، كانت حياتها صفحة مضيئة للنضال النسائي، كي يكون المجتمع قوياً صامداً متعاوناً، فالمرأة هي حليفة الرجل في السراء والضراء وبناء وصون الوطن، هكذا كانت نديمة المنقاري.
ليس غريباً أن هذه الحلبية لا نجد اسمها يتداوله إعلامنا «إلا ما ندر في بعض المقالات هنا وهناك» أو مثقفونا، أما منظماتنا واتحاداتنا وجمعياتنا النسائية «والرجالية» فلا أعتقد أن اسم نديمة منقاري مرّ في سجلاتها الثقافية أو الوطنية، وهذا ليس بغريب علينا، لأننا اعتدنا في كثير من الأحيان ألا نقرأ تاريخنا! اعتدنا أن ننسى نساءً ورجالاً مروا على تاريخنا، وسطروا أسماءهم بماء الذهب!!
وأول مجلة نسائية تصدرها امرأة سورية هي مجلة «العروس» وقد أنشأتها المناضلة المرموقة ماري عجمي عام 1910، وكانت تطبع في مدينة حمص، استمرت حتى عام 1914، وتوقفت بسبب مناهضتها للاستبداد العثماني ونشوب الحرب العالمية الأولى، وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى عادت إلى الصدور عام 1926، ثم توقفت نهائياً، كانت «العروس» مجلة نسائية علمية أدبية لها طابع فكاهي.
«أهلكته» مهنة المتاعب
ياسر عبد ربه صارع الحياة وصارع الموت، وترجل عن صهوة جواده بعد أن خط اسمه بماء الذهب في تاريخ حياتنا السياسية والصحفية، بدأ عمله الصحفي بدمشق، وتتلمذ على يد نقيب صحافتها نصوح بابيل، ومن دمشق شدّ الرحال إلى عدد من الدول العربية والأوروبية فكان في الكويت وليبيا ولبنان وباريس، يؤسس الصحف والمجلات، واستطاب الموت بدمشق، واحتضنته دمشق بين ثناياها ابناً باراً، قضى جل حياته في عشقها.
ولد عبد ربه في دمشق عام 1932، ودرس في مدارسها، نشأ وترعرع في حيّ دمشقي هو «الجسر الأبيض»، وبدأ مسيرته في الحياة ومهنة المتاعب يداً بيد فكانت الصحافة شغله الشاغل والدراسة أيضاً شغله الشاغل، تتلمذ على يد نقيب صحافة دمشق نصوح بابيل في جريدة الأيام، وعمل بين عامي 1954-1958 وبعد تأميم الصحيفة «الأيام» غادر إلى الكويت، حيث ساهم في تأسيس صحيفة الرأي العام الكويتية.
عاد إلى دمشق عام 1965م، وانتقل إلى بيروت، وعمل محرراً في صحيفة «الكفاح العربي» اليومية اللبنانية لصاحبها وليد الحسيني، وفي مجلة «الأحد» الأسبوعية.
وفي عام 1968 غادر لبنان متوجهاً إلى ليبيا ليعمل مراسلاً ومديراً لمكتب مجلة «الأسبوع العربي» في شمال إفريقيا، وتعتبر من أهم المجلات العربية التي صدرت عام 1959، وساهم أيضاً في ليبيا بتأسيس صحيفة «الحرية» اليومية، وكان الصحفي العربي الوحيد الذي شهد ثورة الأول من أيلول عام 1969، وأجرى عدة لقاءات مع قائدها.
وفي عام 1974 عاد إلى لبنان، وساهم في تأسيس مجلة «الديار» الأسبوعية اللبنانية، وعمل بها فترة من الزمن، وعام 1976، تم تفجير مقر المجلة، فأغلقت أبوابها، فغادر إلى باريس وأقام بها فترة من الزمن، وساهم هناك مع الصحفي نبيل الخوري عام 1977م في تأسيس مجلة «المستقبل» وفي باريس التي تميزت بمهنية عالية وتقنية متميزة وتعتبر مجلة المستقبل إحدى أهم المجلات العربية، استمرت هذه المجلة في الصدور إلى عام 1988.
لا يستطيع أحد أن ينكر أن صحفيي سورية خطوا أسماءهم على صفحات التاريخ، ورحلوا إلى بلاد المغترب والبلدان العربية يؤسسون صحافة سورية عربية.. ولا أحد يستطيع أن ينكر أننا نسيناهم، ولم يعد أحد منا يتذكر هؤلاء الرجال الذين طالت قاماتهم أعالي السماء.. هنا بعض من هؤلاء الرجال.. لعلنا نعيد ذكراهم.. إن الأمة التي تكرم رجالها وأبطالها أمة حية لا تموت .
سارة سلامة – الوطن السورية